تونس –“الوسط نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
-
الزبيدي رجل المرحلة… و النابلي كفاءة عالمية…
رحل الرئيس الباجي قائد السبسي و ترك فراغا سياسيا و لا شك، فالحنين يهز عادة إلى الرجال المسؤولين سواء تركوا أثرا طيبا أو أثرا سيئا و على ما يتسم به العمل البشري من تأرجح بين الطيب و السيء فهناك شبه إجماع على أن الرجل تميز بأنه قاد البلاد في أصعب الظروف بحذق و أنه مكن لها من أن تجتاز الخمس سنوات أو تكاد بسلام، فلم تسقط في حرب مواقع كما مكنها من أن تحقق توازنا (صحيح )، مهزوز و لكنه أيضا أبعدها عن أن تكون في وضع بلدان أخرى مجاورة. هذا عدا سنة حكمه في عام 2011 ، التي كانت تحسب له نجاحاتها و مكتسباتها.
لعل السنوات الخمس الأخيرة قد أبرزت كسابقاتها الأربع عجزا عن تحقيق التنمية و رفع المستوى المعيشي للناس كما حصل في بلدان أخرى و في مقدمتها مصر و لكنه مكن للديمقراطية و رديفها من حرية تعبير و حرية صحافة أن تقوم بدورها التعديلي فلا يسقط المجتمع في متاهات الفوضى.
ذهب الباجي قائد السبسي و في شعورنا الباطن و الظاهر أنه لم يكن لائقا الخوض قبل نهاية فترة الحداد في أمر من سيأخذ مكانه فنحن لسنا في ملكية يقال فيها “مات الملك عاش الملك”، بل نحن في دولة مؤسساتها بدت صلبة قائمة على نص دستوري و مؤسسات مهما قيل فيها فإنها لم تهتز لحظة و لعبت دورها بكل جدارة و إذ هناك من يقول بأن ذلك عائد إلى نضج الفرد التونسي فلعل للمرء أن يستنتج أن هناك شعوب ناضجة و لكن ردود فعلها قادتها للفوضى رغم النصوص الرائعة و المؤسسات التي كانت تبدو صلبة.
** إذن من سيقود السفينة بعد وفاة الباجي قائد السبسي الذي تجاوز حدود صلاحياته في كثير من الأحيان و فرض نفسه في عديد المرات كما لوكان في نظام رئاسي و هي كلها أمور لن يتسنى لمن يأتي بعده ليمارسها كما مارسها الرئيس الراحل بشخصيته الفذة (اتفقنا أو اختلفنا معه ) و بالكاريزما التي تطل من عينيه و كل حركاته و كلماته و بقوة شخصيته التي تشع ذكاء يصل إلى مرحلة الدهاء.
على اعتبار كل ذلك لن يجود علينا القدر برئيس مثل الباجي قائد السبسي مهما كانت الأحوال و من هنا كيف لنا أن نتصور رئيسا يمكن أن يملأ الكرسي الوثير لرئيس الجمهورية :
– لنقل أولا أن الرئيس المقبل ينبغي أن يتسم بهدوء كبير و قدرة عالية على التجاوز.
– لنقل ثانيا إنه رغم ذلك ينبغي أن يتميز بشخصية قوية قادرة على المواجهة في الوقت المناسب.
– لنقل ثالثا أن هذه الشخصية ينبغي لها أن تنحني و لو مؤقتا للعاصفة و لا تواجهها فتنكسر.
و من هذه الخصال ننطلق لنقول إن هذه الشخصية رغم محدودية الصلاحيات ينبغي لها من وجهة نظرنا أن تتجه لتحقيق أمرين اثنين لا غنى عنهما لبلد يسعى للنهوض من كبوته:
1/ التعبئة الكاملة من جانبه و في إطار من الوفاق الوطني و إشهاد التونسيين في غالبيتهم على ذلك أولا لتطوير الدستور لجعله في جهوزية لقيام نظام حكم ناجع، إذ كيف يمكننا أن نخرج من نظام الجمهورية الرابعة في فرنسا إلى منطق الجمهورية الخامسة بكل النجاعة التي عرفت بها بعد سنوات الخمول و الركود التي عرفتها باريس رغم فيتو النهضة التي يلائمها نظام اقتراع لا يمكن أن يحقق أغلبية مريحة ما دامت هي ليس في الوارد أن تحقق ذلك باعتبار أن مخزونها الانتخابي غير قابل للتمطيط.
ثم الدفع خلال العهدة البرلمانية المقبلة لإقامة المؤسسات الدستورية التي لا غنى عنها لاستكمال مظاهر الحياة الديمقراطية الحقة كل ذلك بعيدا عن المحاصصات الحزبية و في إطار انتداب الكفاءات العالية كل في مجاله و أنا شخصيا لا أفهم و لا حتى أتفهم كيف يمكن استبعاد رجل من حجم سليم اللغماني من محكمة دستورية في هذا الزمن و في تونس و الأمثلة عديدة ليست القضية قضية نضال بقدر ما هي قضية كفاءة عليا.
2/ أن يكون الرئيس الجديد و الثاني في الجمهورية الثانية مؤهلا أكثر من سلفه و غير كبير في السن نسبيا و متشبع بالعلوم الحديثة و له تكوين واسع و موسوعي أن يكون ليس فقط رئيس جمهورية و لكن رئيس مدير عام مؤسسة بحكومة أشبه ما تكون بمجلس إدارة فطنة متيقظة متشبعة بمظاهر الاشعاع العالمي كما كان أمر تركيا مع ارئيس السابق أوزال و وزير اقتصاده كمال درويش سليل البنك العالمي و هي التي حققت المعجزة التركية التي ينسبها أردوغان بكذبة كبيرة لنفسه و كما هو شأن رواندا اليوم التي تحقق نسبة نمو لا تقل عن رقمين سنة بعد سنة رئيس مجلس إدرة في شكل حكومة تجوب العوالم التي يمكن أن نجد معها أفضل ما يمكن من أسباب التعاون و النجاح مغاربيا أولا عربيا ثانيا إفريقيا ثالثا متوسطيا رابعا إلخ ..
و إني لأذكر في بداية سنوات التسعين عندما حول الوزير الأول حامد القروي آنذاك الحكومة بذلك الطابع عبر مصر و الأردن و السعودية و الكويت و الامارات و السينغال و ساحل العاج و كل من المغرب و الجزائر المتعاديتين و ليبيا التي كانت وقتها خاضعة للحظر الدولي…
من هو الرجل النادر الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور…
باستعراض سريع للمترشحين للرئاسة و من لم يقدموا ترشحهم بعداستشف اسما لعله ليس الوحيد و لكنه من وجهة نظري الأبرز و هو الدكتور عبد الكريم الزبيدي الذي تبدت كفاءته في كل المناصب التي شغلها إضافة إلى عفته و نظافة يديه لا يده كما يقال و الذي أراه مسنودا بقمة اقتصادية عالية و كفاءة كبرى تتمثل في مصطفى كمال النابلي القمة العالمية و الذي شغل منصب وزير التخطيط قبل أن ينسحب منه لخلاف مع الرئيس الأسبق بن علي و اعتبر أفضل من تولى قيادة البنك المركزي بعد الثورة قبل أن يأمر الرئيس السابق منصف المرزوقي بإقالته قبل الأوان.