تونس –“الوسط نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
العمر يجري ، والأمل يتضاءل ، في رؤية تونس ، وطننا ، بلادنا ، مهجتنا ، شغاف قلوبنا ، أو قلوب البعض منا ، وأمل يتضاءل في رؤية بلادنا ، على نحو ما كنا نأمل في ذلك اليوم ، قبل عشر سنوات ، نهارا بنهار…
الكثير الكثير منا ناضلوا وناضلوا ، ليعيشوا يوما ما مثل ذلك اليوم من 14 جانفي 2011 ، فهل حقق لهم ما كانوا يأملون ؟
البعض يرى أن السؤال ، ليس في مكانه ، يكفي أن تكون الثورة حققت الحرية ، حرية القول والتعبير ، حرية التنقل ، حرية التصويت على من أرادوه لتمثيلهم وتسلم الحكم نيابة عنهم ، وغيرهم كثيرون يرون أن ذلك اليوم المشهود قبل عشر سنوات يوما بيوم ، لم يحقق لهم الكرامة ، أحد ثلاثي ما نا نادوا به خلال الأيام العصيبة ، في ديسمبر 2010 وجانفي 2011 ، وكل العذابات التي شهدوها من خلال تحركاتهم و نضالاتهم ، على مدى عشرات السنوات تمتد ما بعيد الاستقلال بقليل ، هذا للذين يعترفون اليوم ، بأنه كان هناك استقلال فعلي ، وقيام لدولة بيدها أمرها ، ومنجزات ربما قليلة ولكن مؤثرة.
يومها أي يوم 14 جانفي وأيام قبله و بعده ، كنت مسمرا في الفراش، نتيجة إصابتي بنوبة سعال وعطس حادة ومتواترة ، نتيجة مرض الحساسية الزمن ، ولكني كنت بقلبي ومهجتي مع الذين احتلوا شارع الحبيب بورقيبة ، في أعتى مظاهرة وأطولها ، ليس أعتى منها إلا تلك المظاهرة التي سبقتها بيومين في صفاقس ، فاهتز عرش نظام كان يعتقد ، أنه باق مستمر متواصل ، لا يمكن أن ينال منه شيء بجكم جبروت القوة .
لم يأت المساء حتى كان رمز النظام قد غادر ، انتهى هذا ولكن بقي نظامه ، يقوم على المقربين منه ، واستنتج الكثيرون أنه لا ثورة ولا هم يحزنون .
ورغم الاصرار على أنها ثورة ، بلا قيادة ولا فكر ولا مشروع ، متفردة في نوعها وفقا لتاريخ الثورات ، فإنها إن كانت كذلك ، لم تحقق الأساسي لأي حكم .
فعلا جاءت حريات للقول والتعبير ، وجاءت انتخابات غير مزورة وإن اعتمدت طرقا غير مؤدية بنظام انتحابي ليس هناك ما هو أسوأ منه ، ولكن هذه الثورة وما لحقها من سقوط أدوات الحكم بين أيد ليست مؤهلة ، لم تحقق مطلب الكرامة المادية التي طالب بها من ” ثاروا ” على مدى عقود، ذهبت طبقة حاكمة وإن كانت حققت نتائج ليست كافية ، وجاءت طبقة لم تحقق ماديا سوى مزيد الفقر ، ومزيد التفاوت بين الأفراد والجهات ، واليوم وللأسف الشديد فإن هناك من باتوا يأسفون على ماض كان ممجوجا موصوفا بكل النعوت السيئة، ويكررون صباحا ومساء أن الحرية والديمقراطية لا توفر لا خبزا ولا عملا للعاطلين ولا أفقا للبلاد.
نحن الذين ناضلوا بدرجات مختلفة ، ضد الديكتاتورية ، ونال بعضنا نصيبه من السجون ، ونال آخرون نصيبهم من المطاردة وقطع الأرزاق ، كان اعتقادنا بأن الحرية والديمقراطية ، ستمكن من نسب نمو أعلى مما كان ، نسب نمو برقمين ، كما حصل في بلدان ثورات كثيرة ، وتوزيع أعدل للثروات المنتجة ، سواء بين الأفراد أو الجهات ، خاب فألنا فقد سارت البلاد إلى الوراء ، وراكمت الاخفاقات متمثلة في نسب نمو أدنى فأدنى ،،،، لم يأت ذلك صدفة بل جاء نتيجة ، حكم عديم الكفاءة ، بلا أفق ولا قدرة استشراف ولا برنامج أو مخططات محكمة ، وبات التكالب على الحكم والمناصب هو القاسم الأعظم المشترك بين الحاكمين ، وفوتت طبقة حكم همها الوحيد الاستفادة مما بين أيديها من أدوات السلطة للإثراء الشخصي ، فوتت على البلاد والعباد فرص الإصلاح ، عندما كان الإصلاح ممكنا في بداية الثورة ولم تكن حكومة النهضة مسؤولة عن ما أسمته لاحقا الخراب الذي تركه بن علي ، ، مما دفع الوزير حسين الديماسي للاستقالة من منصبه بعد ستة أشهر من تعيينه في حكومة حمادي الحبالي النهضاوية ، بعد رفض برنامجه الإصلاحي من موقعه الذي كان يعتقد معه أنه لن تتجدد الفرصة لتمريره، وبعد بقاء هذا الحزب في السلطة بدون انقطاع بصورة أو بأخرى منذ ذلك الحين.
ما هو المصير ؟ وهل إن الثورة ستنقذ نفسها ، بحركة تاريخية تصحح مسارها ؟ وتهتم أول ما تهتم بتنمية البلاد ، ورفع المستوى الفردي ، وإعادة المرافق الأساسية للدولة إلى طريقها الصحيح من تعليم وصحة وخدمات مختلفة؟
في ظل ما نراه ليس في الأفق ما يبشر بذلك ، لا تعديل حكومي معلن ، ولا حوار وطني ليس هناك اتفاق بشأن محتواه ، ، بل بضرورة الخروح من مسرحية الكراسي ، والسؤال كيف يكون ذلك والطبقة السياسية لما بعد الثورة والتي بيدها الحل والربطة ، ليس في أجندتها لا مصلحة البلاد ولا تنميتها ولا الاستجابة لمطالب الذين حرجوا قبل 10 سنوات للشارع ، وفرضوا واقعا سياسيا جديدا جاء حكام الصدفة فحولوه عن طريقه السوي؟؟؟