-
المطلوب حكومة مصغرة تتكون من كفاءات لها خبرة بالدولة وذات اشعاع عالمي
-
ائتلاف الكرامة مطيع للنهضة مهمته تأدية أعمالها القذرة
-
لا بديل عن النظام الديمقراطي وحوار يضمن تحوير الدستور قبل الحلول الإقتصادية والإجتماعية
تونس –“الوسط نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
مع نهاية السنة.، لعلها السنة الأسوأ في تاريخ تونس الحديث والمعاصر ، نشهد أغرب ما يمكن للمرء أن يشهده ، المصادقة على ميزانية للدولة ، تتعهد الحكومة معها بتقديم ميزانية تكميلية لها بعد ثلاثة أشهر. أي إنها تعرف بصورة مسبقة أن هده الميزانية ليس لها من ملامح ميزانية فعلية إلا الاسم.
وإذ تسير الأمور في البلاد بقدرة قادر ، فإن المواطنين يشهدون تشققا كاملا ، ليس في السلطة فقط ، بل بالأساس في مجتمع بلا بوصلة ، ولا أفق ،
ولقد أفلتت الأمور بصورة كاملة ، فرئاسة الجمهورية تغرد خارج السرب ، وتعد حينا وتتوعد أحيانا ، بلا قدرة على الفعل ، ولا تصور ، لمحدودية صلاحياتها ، تحت نظام هو في الحقيقة برلماني ، مع بعض فتات الصلاحيات التي تركت لرئاسة الجمهورية ، لا يمكن معها أن يكون له فعلا ، فضلا على أنها في مرحلتها الراهنة لا ترى بوضوح ، وقد فقدت مقومات السلطة الحقيقية ، كما يحاول أن يوهم الرئيس قيس سعيد.
ثم إن البرلمان محط السلطة الفعلية حسب دستور 2014 التي أوكل البعض منها تحت ثقتة ورقابته لرئيس الحكومة والوزراء ، بدا في الواقع الفعلي أعجز من أن يتولى مهمته الكبرى ،، لانعدام أغلبية واضحة في صفوفه ، ولعجز رئاسته عن إدارة أعماله بكل تجرد واقتدار.
أما الحكومة التي اختير رئيسا لها معينا من قبل رئيس الجمهورية ، فإنها لعدم قدرة رئيس الدولة ، على الحفاظ على تبعيتها له باعتباره هو من اصطفاها ، فإنها ارتمت في أحضان من قبل تبنيها ، ومنحها الثقة في البرلمان ، أي تحالف غريب بين نهضة لم تستطع الحصول على أغلبية واضحة ، تمكنها من الحــــكم، وحزب قلب تونس ، الذي كانت النهضة تجاهره بالعداء قبل الانتخابات، فانقلبت حليفة له بعدها ، وائتلاف الكرامة الذي تعتبره الطبقة السياسية تابعا مطيعا للنهضة، مهمته تأدية الأعمال القذرة التي لا تريد النهضة المجاهرة بها، للحفاظ على صورة الحزب المدني ، المتقيد بكل مقتضيات دستور هجين ، يقسم عليه الجميع ولكن لا يطيعه الكل.
كل هذا أنتج وضعا في قمة السوء بلغ الأوج هذه الأيام ، وبدا واضحا أن البلاد تقف اليوم على شفا هاوية سحيقة ، فقد بلغت المطالبات سقفا عاليا ، لا تستطيع أي حكومة الاستجابة لها ، ولو أوتيت ميزانية الولايات المتحدة ، ووصلت الإعتصامات والإضرابات إلى فئات ، لم يكن أحد يعتقد أن تصل إليها ، لما تتمتع به ، من وضع رخاء نسبي ، بالقياس إلى بقية فئات الشعب من الموظفين والعمال ،
وبدا تشقق مجتمعي ،يهدد بتفتت اللحمة الوطنية ، في ما يسبق عادة انهيار الدول .
هذا هو التوصيف للوضع الراهن في البلاد، فما هو العلاج ،وقد استفحل الداء؟
أولا أن دستور 2014 قد مهد لهذا الوضع .
وإذ أمكن تلافي التفجر في سنوات 2014/2019 ، فذلك بسبب تلاقي الأغلبية البرلمانية والأغلبية الرئاسية ، التي أنتجتها انتخابات أواخر سنة 2014 ، رغم أن نصفها الثاني شهد ارتماء رئيس الحكومة الندائي وقتها يوسف الشاهد ، في أحضان النهضة ، تاركا صاحب الفضل عليه الباجي قائد السبسي يحترق غيظا دون قدرة على الحركة ، ودون استطاعة استخلاف ابنه على رئاسة الجمهورية كما كان يتمنى.
أما انتخابات أواخر 2019 ، فإنها عمقت الهوة ، فقد جاءت برئيس للجمهورية هو قيس سعيد ، من حيث لا يعلم به أحد ، بلا تجربة في الحكم أو التسيير ، وبمقولة ” الشعب يريد ” وبلا برنامج ولا حتى شبح برنامج.
وفي المقابل جاءت تلك الانتخابات للبرلمان بفسيفساء، فالحزب الأول لم يحصل على سوى ربع نواب المجلس النيابي ، وإذا اعتبرنا ائتلاف الكرامة زائدته الدودية كما تردد آنذاك ، فإنه أبعد من أن تكون له أغلبية ، ووجد الحزب الأول المرشح دستوريا لتولي رئاسة الحكومة نفسه ” يعوم في الناشف”، ورغم التحاق قلب تونس الصديق الجديد اللدود ، فإنه بعدم توفقه في اختيار شخصية يمكن أن” تملأ الكرسي” كما يقال ، فقد اختار الغنوشي شخصا ، لا يتمتع بالحد
الأدنى من التأييد حتى داخل النهضة ، فأفلتت من راشد الغنوشي فرصة تعيين رئيس الحكومة ، لتنتقل إلى رئيس الجمهورية ، الذي اختار شخصية ليس وراءها إجماع ، وصوت لها البرلمان ، خوفا من أن يؤدي الأمر في حال حجب الثقة للحل، وإجراء انتخابات جديدة تخاف من نتائجها كل الأحزاب : خوفا من النواب على الكراسي الوثيرة التي حصلوا عليها ، وخوفا من الأحزاب أن تؤدي إلى خسارة مقاعد نالتها بشق الأنفس..
جاء العام 2020 والأمر على هذه الحال من برلمان متشرذم ، وضعف القدرة على مسك الأمور وبثالث حكومة بين من لم تنل الثقة ، وأخرى نالت ولكن أجلها المحتوم كان مكتوبا ومقررا، وثالثة نالت ثقة البرلمان ، ولا يدري أحد مدى ديمومتها وهو أمر بيد النهضة ، وائتلاف الكرامة ، وما بقي من قلب تونس ، وعدد من ” المستقلين” ، ولكنها حكومة محكومة بالعجز ، فهي معينة من رئيس الدولة ، باعتبار أن رئيسها اختاره قيس سعيد ، ولكنها تدين بالولاء لغيره من القوى ، وخاصة برلمان متشرذم لا يؤمن جانبه.
أين مكمن الداء ؟ وكيف الحل ؟
مكمن الداء في دسنور قيس على مقاس الجمهورية الرابعة في فرنسا ، وتسبب في كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية في باريس حتى تخلصت منه .
وهذا ما قلناه في حصة تلفزيونية ، عندما كنت ما زلت أقبل الحضور في حوارات تبين لي لاحقا أنها عبارة عن حوار الطرشان ، ترتفع فيها الأصوات أحيان بعيدا عن آداب الجوار حتى لا نقول غالبا ، وكتبته في الإبان .
الآن والوضع على ما هو عليه علينا أن نتلمس طريقا ولو في حال من الضباب الكثيف :
أولا لا بديل عن النظام الديمقراطي ، فلا سبيل كما يقول البعض وكما يتمناه آخرون للعودة للإستبداد والقهر.
ثانيا : أنه لا مجال مطلقا لتجاوز الدستور على علاته
ثالثا : أن رئيس الدولة رغم محدودية صلاحياته ،يبقى هو الضامن للدولة ودستورها .
رابعا ،: إنه لا بد من قيام حوار وطني جامع بدون إقصاء إلا من يقصي نفسه.
خامسا: أن للحوار موضوع واحد مطروح ، هو إيجاد تخريجة سياسية ، لا اقتصادية ولا اجتماعية ,تتمثل في تحوير دستوري يجد شرعيته في إجماع أو شبه إجماع شعبي كما حصل في سنة 2013 عندما دخلت البلاد في عنق زجاجة.
وهذا التحوير وبدون سابقية رغبة في فرض أي شيء يقوم من وجهى نظرنا على إنهاء نظام حكم مزدوج بين رئيس و رئيس حكومة ، بحيث تنبثق الحكومة ووزراءها ، من أغلبية واضحة أو ائتلاف واضح ، وفق ما تنتجه انتخابات وفق طريقة اقتراع يتم الاتفاق بشأنها ، إما أن تكون بالنظام الأغلبي أو بنظام مختلط يتم الانتخاب فيها جزء بالنظام الأغلبي وجزء بالنظام النسبي.
وفي الأثناء يتم تشكيل حكومة مصغرة من جهات كفاءات لها خبرة ومعرفة بدواليب الدولة وذات إشعاع دولي .
والأمر اليوم ليس أمر حوار لا اقتصادي ولا إجتماعي ، ربما يأتي وقته لاحقا ، إذا لم يشوش على الحكومة القادمة.