-
وضع لا يمكن ضبطه إلا بحكم قوي يذكرنا بالجمهورية الزائفة في فرنسا…!!!
تونس –“الوسط نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
يبدو اليوم وكأن الآمور باتتمنفلتة بدون ضابط، وأن السلطة القائمة لم تعد لها سيطرة على الأحداث ، وأن الانخرام تام .
كل ذلك في إطار مؤسسات للحكم تبدو وكأنها فاقدة، لبوصلة تقود خطواتها في ظل عشر سنوات من التخبط ، وفي ظل تراجع كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية وحتى السياسية، وإحساس طاغ لدى ما يمكن أن يسمى بالنخب ـ بأن نضال عشرات من السنين لفرض الديمقراطية وحرية التعبير ، لم تنته إلى النتيجة المرجوة، بحيث يبدو وكأن الوضع ساء بما لا يمكن معه إصلاح، إلا بتضحيات جسيمة ، لا يعتقد أن المواطنين قادرون عليها ، بالاستطاعة على تحمل عبئها الثقيل.
فقد عمت مطلبية كبيرة ، خارجة عن كل تصور ، وقد بدا معه الأمر ، وكأن تونس بلد جالس على ثروة عظيمة ، انفرط عقد أي نظام تأجيري، فمنذ العهد الاستعماري ، و خاصة منذ عهد الهادي نويرة انتظم نظام تأجيري في الوظيفة العمومية، يتساوى في المرتب حسب التحصيل العلمي ، ويفترق في الامتيازات حسب الأصناف ووضعها في المجتمع وفي المراتب الوظيفية ، ولعل ذلك النظام قد ضمن نوعا من المساواة وفي نفس الوقت الحوافز لدى العاملين في الدولة،
وقد بدأ تشقق هذا النظام المحكم في زمن حكومة محمد مزالي ، عندما تم اعتماد نظام المكلفين بمهمة ، وكان القصد أولا هو استيعاب وافدين من القطاع الخاص أو من الخارج تستفيد منهم إدارة عمومية اعتبرت متكلسة ، بتأجيرهم خارج إطار التأجير في الوظيفة العمومية بمرتبات أعلى مما تخولهم شهاداتهم وبصفر من الأقدمية ، ثم امتد مفعول المكلفين بمهمة ، حتى إلى موطفين عموميين يراد لهم أن ينالوا أجورا أعلى ، من المقاييس التي يتمتع بها المنتسبون للوظيفة العمومية عادة ، فيـــــــــكلفون ” بمهمات” تخول لهم مرتبات أعلى مما كانوا ينالون ، بحكم وظيفتهم وأقدميتهم ، والمقاييس المعتمدة بالنسبة لهم.
غير أن الفوضى دخلت بحق بعد “الثورة ” وإزاء مطلبية مفرطة لدى بعض قطاعات الوظيفة العمومية ، قطاعات تعتمد مطلبية عالية وتملك بين يديها أسلحة قوية ، فانخرم الأمر ، وانتفت المساواة في الأجر الأصلي ، وانتفخت المنح الخصوصية للبعض دون البعض ، وفازت القطاعات التي لها قوة ضغط كبرى ، وتكاثرت الاعتصامات ، واستسلمت الحكومات المتعاقبة ، بداية من حكومة الباجي قائد السبسي الأولى سنة 2011، فانفجر نظام التأجير في الوظيفة العمومية ، وانخرمت المبادئ المساواتية التي قام عليها منذ السبعينيات بجهد كبير من الوزيرين محمد الناصر ، ومنصف بن الحاج عمر.
أضف إلى ذلك خلاص أيام العمل المهدورة أيام الاضرابات ، فيما القاعدة العامة كانت تونسيا ودوليا هي الأجر مقابل العمل المنجز ، وبما أن الدولة وحتى أعداد من رجال الأعمال الخواص ، يعمدون للإقتطاع مباشرة من المرتبات لحساب اتحاد الشغل ، بحيث أصبح اتحاد الشغل مع اتحاد الصناعة والتجارة ، أغنى المؤسسات ، في دولة كل مؤسساتها العمومية مفلسة وبدون استثناء ، فإن اتحاد الشغل له قدرة كبيرة لخلاص أيام إضراب أعداد من العاملين في القطاع الخاص ، إضافة إلى صرف مرتبات المضربين كاملة دون نقصان، في الوظيفة العمومية والمؤسسات المفلسة أقصد المؤسسات العمومية، كما في حال عدم تولي الأعراف دفع تلك الأجور ، أي إن الدولة والكثير من الأعراف يشجعون الإضراب سواء كان شرعيا قانونيا أو لا.
انفلت الأمر عن كل سيطرة ، ففي بداية الثورة ، سادت كلمة ارحل “ديقاج” لأعداد كبيرة من مسيري المؤسسات الادارية والاقتصادية ، من المشهود لهم بالكفاءة ، وممن كانوا يمسكون بمؤسساتهم بيد تجعلها تتولى القيام بعملها بكل انضباط ، وبما أن الحكومة استجابت وقتها ، وعينت مسؤولين جدد ، تعلموا بالتجربة أن عليهم أن يلبوا كل الطلبات ، ويتركوا الانضباط الواجب وراء ظهورهم للبقاء في مناصبهم ، ومن هنا جاءت كوارث عديدة ، فانحدرت مؤسسات كثيرة بعد أن كانت تدر على الدولة أموالا طائلة ، وحل الخراب ، وهناك من يقول اليوم إن كل المؤسسات العمومية ترزح تحت عبء مديونية ثقيلة ، وأنها تدفع أجور أعوانها من ميزانية الدولة ، ومن الاقتراض إن كان ما زال ممكنا ، وتزيد دوريا في المرتبات ، ما بلغت معه نسبة كتلة الأجور 20 في المائة من الناتج الداخلي الخام وما بين 30 و40 في المائة من مقدرات الميزانية العامة ، وهي أرقام لا تستقيم أمور أي دولة إلا بنصفها ، أما عن أعداد العاملين في الوظيفة العمومية والمؤسسات التابعة للدولة بما فيها مؤسسسات البستنة والبيئة التي تدفع “أجورا” دون حتى مجرد حضور ، أما عن ذلك فحدث ولا حرج ، ففي سنتي 2012 وو2013 أيام حكم النهضة ، فقد تم ملء الوظيفة العمومية بعشرات الألوف من الوافدين الجدد غالبهم الأعظم من النهضاويين ، وأسندت لهم منح تعويض عن سنوات لم يعملوا فيها ، ما زاد بشكل لافت وكبير في كتلة الأجور ذينك العامين بصفة كبيرة ، ورفع نسبة النمو بنقطتين ، يفخر بها لليوم حزب حركة النهضة ، دون ذكر أن نسبة النمو عند الحديث عنها لا يمكن إغفال تركيبتها.
من هنا نحن اليوم في هذا الوضع من الانفلات الكبير بدون روادع ، وهو وضع لا يمكن ضبطه إلا بحكم قوي ، لا يتوفر لحكومة مثل حكومة المسكين الاداري هشام المشيشي ، ما يوحي بالقدرة على مواجهتها ، فيما بين رئيس تكتفي نظريته بمقولة ” الشعب يريد” وما يشبه اللجان الشعبية في ليبيا البائدة والتمثيل( الانتخابات) تدجيل ، وبرلمان تسيطر عليه النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة ، وثلاثتها لا تهمها إلا مناورات الحكم ، بدون تصور ولا اسنشراف ، فيما البقية تكتفي بالمسايرة ، وخكومة بل بوصلة ولا قدرة على الفعل في هذا الخضم المتلاطمة أمواجه.
كل هذا يذكرنا بما آلت إليه الجمهورية الرابعة في فرنسا ستة 1958، بعد اثنتي عشر سنة من الوجود الكارثي ، انحدرت معه فرنسا انحدارا كبيرا ، حتى جاء الجنرال ديغول لتستقيم الأمور ، ويفرض قيام جمهورية خامسة بحكم قوي حازم ، ولكن كيف لنا بمثيل للجنرال ديغول ، وكيف لنا بظروف مواتية لذلك ، بدون أحداث وتطورات غير ديمقراطية ، مثل تلك التي دفعت الجنرال ديغول إلى مقدمة خشبة المسرح؟؟؟؟
كل شيء يشير إلى أن الأمور آخذة في الانفلات من كل سيطرة ، إن لم تكن انفلتت بعد ؟؟؟
لك الله يا تونس …..