تونس –“الوسط نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
بعد التطورات الأخيرة و التهديدات التركية / المصرية المتبادلة و الدعم التركي للميليشيات الاسلاموية التي تسيطر على طرابلس و التي يرأسها رغم أنفه السراج و ما حصل في مدينة غريان ليس فقط من “تحري” المدينة و ما صاحب ذلك من تقتيل للأسرى و المجروحين في مستشفى المدينة من أنصار حفتر و تهديد الجيش الوطني الليبي باستهداف المصالح التركية و النقل الجوي و البحري التركي الداعم للميليشيات الإسلاموية و التي بلغ خطرها منذ سنوات بلادنا لما تؤويه العاصمة الليبية من إرهابيين، نالوا من سلامة بلادنا و آخرهم ذلك الهجوم على بنقردان بغرض احتلالها و إعلان دولة الخلافة منها، دخلت مصر على الخط مهددة تركيا بحرا و جوا إذا نفذت الآستانة عفوا أنقرة تهديداتها في ليبيا و واصلت دعم الميليشيات سلاحا و مسستشارين فيما وقف جيش حفتر دون قلب العاصمة طرابلس عاجزا عن اقتحامها منذ 4 أفريل الماضي.
و إذا كانت دول عربية بعينها تدعم جيش حفتر فإن نظام أردوغان الاسلاموي الذي يحلم بعودة الخلافة التي انقضى عهدها منذ قرن على يدي كمال أتاتورك بقيادة “الخليفة” أردوغان متوسلا لذلك بما يتحكم فيه من ميليشيات أو ما يظن أنه يتحكم و بعد أن كانت ليبيا آخر ممتلكات الخلافة العثمانية إثر الغزو الايطالي و بعد تحرر الممالك الأوروبية التي كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية ثم التفريط في الجزائر و تونس و بعد ذلك الطرد من منطقة الشرق الأوسط العربية التي ضجت من الاستعمار التركي – العثماني.
غير أن تركيا أردوغان ـ التي كان وزير خارجيتها السابق أحمد أوغلو في أول عهد أردوغان يدعو إلى تركيا بلا عدو و لا عدو واحد، أخذت تركيا تفكر في التعاظم و استعادة امبراطورية ولى عهدها تحت سنجق “الإسلام ” و لذلك و بعد الفشل الذريع في السيطرة على سوريا عبر داعش و القاعدة و النصرة و السيطرة على العراق عبر مدخل الأكراد و العداء المستحكم إزاءهم، اتجهت غربا عبر ما اعتبرته الخاصرة اللينة في العالم العربي أي تونس و خاصة ليبيا و إذ فشلت في تونس أو هكذا يعتقد التونسيون ، فإنها وجدت الفرصة مواتية في ليبيا حيث أسهمت في الانقلاب على نتائج صندوق الاقتراع سنة 1914 فقدمت العون للميليشيات المختلفة للسيطرة على العاصمة الليبية فيما نقل البرلمان الليبي المنتخب نفسه إلى المنطقة الشرقية التي طهرها من الميليشيات و الارهاب عازما على تطهير العاصمة نفسها.
و رغم كل ما يقال فلا ينبغي أن ننسى أن الارهاب و السلاح الارهابي جاءنا في تونس من ليبيا و أن البلاد استقبلت في 2012/2013 قيادات إرهابية معروفة في مقدمتها عبد الحكيم بالحاج الذي دأب على لقاء قيادات نهضاوية في إسطنبول كما إن “أبو عياض” المهرب من تونس من قبل قيادة حكومة الترويكا و الذي لا ينوي خيرا لا لتونس و لا لديمقراطيتها التي يراها كفرا و الذي كان وراء عملية بنقردان و الذي يشاع دون أي تأكيد أنه قتل خلال غارة جوية قد أقام طويلا في ليبيا تحديا للبلاد و حكوماتها المتعاقبة.
كما لا ينبغي أن ننسى أن تركيا كانت و ما تزال أكبر سند للميليشيات الاسلاموية و هي التي تقدم لها المدد من السلاح الخفيف و الثقيل توسلا لمزيد سيطرتها على البلاد و احتمالا التمدد إلى بلادنا بتأييد للأسف من البعض منا و في مركز القرار.
غير أن ما يجري اليوم يتهدد بكل الأخطار المنطقة كلها و يمكن أن يتمدد الحريق من ليبيا إلى جوارها و تركيا بدأت التدخل في الشأن الليبي من زمان و لكن بصفة مفضوحة اليوم، كما إن جزء من العالم العربي اختار الصف الذي يقف فيه في محاولة للقضاء على الارهاب الذي يتهدده والذي يبدو أن مصدره الأساسي الخاصرة الرخوة في طرابلس فيما البقية مثل تونس و الجزائر في موقف المتفرج بينما إذا اشتعل لهيب حارق في مواجهة مصرية تركية محتملة بعد أن اختار كل منهما صفه بصراحة و بدون مواربة.
فالاحتكاك اليوم وارد بين أكبر قوتين في الشرق الأوسط كله أي مصر و تركيا و الشرارة في هذه الأحوال لن تتوقف عند الدولتين الديكتاتوريتين الدولة التركية التي يحكمها بالحديد و النار أردوغان بخمسين ألف سجين بدون محاكمة و 150 ألف مطرود من العمل و نظام السيسي الدموي الحاكم الفرد في مصر الذي لا يتأخر عن القتل و السجن و إبقاء مساجينه هو الآخر دون أحكام قضائية.
و إذ تقول تركيا إن 6 من أبنائها بين أيدي قوات حفتر و أنها تهدد بالويل و الثبور إن لم يقع إطلاق سراحهم فإن حكومة الشرق الليبي تهدد باستهداف لا الطائرات التركية بدون طيار و لكن أيضا الطيران المدني التركي الذي تتهمه باستقدام الارهابيين و المستشارين العسكريين الأتراك و كذلك الملاحة البحرية التركية المتهمة بنقل السلاح الخفيف و الثقيل إلى مصراتة بعد أن أصبح ميناء طرابلس “غير آمن”.
و إذ يبدو أن مصر المجاورة و ترسانتها الضخمة تمتلك قوة رادعة كبيرة فإنه ليس للمرء أن يقلل من القوة التي يمكن لتركيا تعبئتها و التي يمكن أن تصل إلى أي مكان عدا أن لها مرافئ في الغرب الليبي في يد الميليشيات و في غياب الدولة الليبية، يمكنها اعتمادها كقواعد صلبة.
غير أن هذه الاحتمالات الخطيرة لمواجهات تبقى واردة، يمكن أن تخف بعض الشيء و إن كانت احتمالات التدخل المصري المفضوح مع حفتر ستصبح أكثر احتمالا مع إمكانية التدخل المباشر أرضا.
كل الاحتمالات واردة و منها وليس مستبعدا أن تشتعل المنطقة و أن تشهد تونس و الجزائر بأقل حدة زحفا إرهابيا للذين لم تسعفهم الطائرات التركية بالتراجع نحو إسطنبول و لعل للمرء أن يذكر هنا الحرب المصرية التركية في القرن التاسع عشر تحت حكم الخديوي المصري محمد علي و التي قادها ابنه إبراهيم و انتصر فيها و حقق استقلال مصر عن الخلافة العثمانية.