تونس –“الوسط نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
تتجه النية إلى تشكيل حكومة برئاسة النهضة و غالبا من غير رئيس النهضة راشد الغنوشي ذلك أن أغلبية برلمانية واضحة تبدو في متناول اليد و لولا ذلك لما غامر رئيس الحركة و دخل هو و حزبه رهانا لا يمكن إلا أن يكون رابحا فقد أخذت تتضح أغلبية من النهضة 52 نائبا و ائتلاف الكرامة 20 نائبا و حزب الرحمة 4 نواب تحبا تونس أو جانب من تحيا تونس 13 نائبا و عدد من المستقلين “المضمونين” لا يعرف عددهم بما في ذلك احتمال التمكين من مناصب في الحكومة الجديدة في ما أن التيار الديمقراطي سيردف أصواته بالأغلبية الحكومية 20 صوتا (لعدم وضع العصا في العجلة) دون أن يقبل أي عضوية فيها ما لم يقع منحه وزارات العدل و الداخلية و الاصلاح الإداري – لمقاومة الفساد- و ربما صوت نواب من قلب تونس لفائدة هذه الحكومة لعدم قطع شعرة معاوية (رغم الفيتوالقطعي من قبل القيادات النهضوية ؟).
و إذ يمكن تمرير هذه الحكومة بأغلبية قصيرة لا تجعلها في مأمن من المفاجآت و لكن بعد الستة أشهر التي نص عليها الدستور لعدم إسقاطها أو التصويت على لائحة لوم ضدها أو سحب الثقة منها.
فبعد 180 يوما يمكن أن تصبح هذه الحكومة في مهب الرياح التي يمكن أن تعصف بها في كل حين و وقت ما يذكر بمصير حكومات الجمهورية الفرنسية الرابعة التي كان معدل عمر الحكومات فيها لا يفوق 6 أشهر مع حصول حالات لم يصل فيها عمر الحكومة إلى شهرين.
و لعله و مما يزيد في هشاشة الوضع أمران اثنان :
أولهما أن رئيس الجمهورية المنتخب و الذي سيتم تنصيبه الأربعاء المقبل ليس مضمونا و لم تتبلور صورته و صورة مشروعه عند أحد لا لدى الأحزاب ولا عند الشعب و هو محل نقطة استفهام كبيرة و هو و إن ساندته النهضة بقوة في مرحلة الترشيح الثانية فقد فاجأها مفاجأة غير سارة بما بدا علـــيه من شعبية عالية تجعل مركزه أكثر مما كانت تتمناه له النهضة و يجعل عوده أصلب أمامها باعتبارها الحزب الأول في البلاد و لنقل تجاوزا الحزب الأغلبي و لنا عودة لاحقة حول الموضوع.
ثانيهما أن الحكومة مهما كانت ستكون في وضع هشاشة كبرى و عليها أن تعيش و عينها مفتوحة ليلا نهارا و لن يستطيع الحزب الحاكم و قد كان دائما حاكما منذ 2012 و لكن ليس دائما في الصدارة و حتى إن أمكنت صياغة برنامج مشترك فإن تباعد المواقف الذي سيظهر في التصرف اليومي و الاختلافات و الفوارق تجعل الحكومة على كف عفريت و يكفي أن يستقيل عضو أو أكثر منها لتصبح في وضع أقلي لا يمكنها معه أن تعوضه بدون توفر 109 أصوات على الأقل.
و إذ لا يمكن لأحد أن يشكك في شرعية و مشروعية البرلمان رغم تشكيك في النزاهة من جهتين لا يرقى لهما الشك و هما الهيئة العليا للاعلام السمعي البصري و التي تتحدث بوثوق عن ارتكاب عدد من الجرائم الانتخابية التي كان ينبغي أن تفضي لسقوط أفراد و قائمات خاصة من مرشحي النهضة و قلب تونس و لكن “الايزي” لم تكن من الشجاعة لمجابهة الحزبين الكبيرين و أيضا هيئة شوقي الطبيب التي تشير بأصبع غير مرتعش لدور المال.
إذن رغم هذه الهنات فإنه يبقى على الأقل من الجهة الشكلية أمر الشرعية و المشروعية غير مطعون فيهما و لكن هناك أمر آخر يعود إلى طبيعة طريقة الاقتراع بالنسبية على القائمات مع أعلى البقايا فقد أظهرت النتائج بعد تحليلها أن 25 في المائة فقط من النواب المنتخبين تم انتخابهم مباشرة و أصالة (54 نائبا من 217) و أن البقية كلهم منتخبون بأعلى البقايا أي 163 نائبا من بينهم من حاز فقط على 380 صوتا فيما الأول تميز بـ24 ألف صوت و هذا و إن طرح مسألة قلة عدالة هذه الطريقة الانتخابية فإنه لا يقلل من شرعية و مشروعية المنتخبين.
و في ما يلي قائمة توضيحية للكيفية التي تم بها انتخاب النواب:
**
إن النسبة الكبيرة جدا التي فاز بها الرئيس قيس سعيد في الدورة الثانية هي نسبة غير معهودة في الدول الديمثراطية و إن كانت هناك سابقة في فرنسا في أوائل هذا القرن عندما فاز الرئيس شيراك اليميني على منافسه لوبان اليميني المتطرف بـ80 في المائة من الأصوات و لكنه اغترف أصوات كل العائلات السياسية وقوفا في وجه أقصى اليمين الموصوف بالعنصري.
و لعل هذه النسبة أخافت كل الأطراف السياسية و في مقدمتها الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في التشريعيات أي حزب النهضة الذي لم يخف أمام فرحته الظاهرة بخشية حقيقية أو فعلية من أن يعتبر قيس سعيد هذا الفوز استفتاء plébiscite يعطيه وزنا يسمح له بكل شيء.
ففي بلد ديمقراطي و عندما يفوز شخص ولو رئيس جمهورية بـ 72.71 قي المائة من الأصوات أي 2.777 مليون صوت فإنه يعطيه وزنا قد يفوق الصلاحيات التي يمنحها له الدستور.
و في نظر عدد من أنصاره فإنه إن لم يستطع فرض وجهات نظره خاصة بالنسبة لتنظيم مؤسسات الدولة بواسطة استعمال الادوات الدستورية فإن بإمكانه أن يشهد “شعبه” أي الذين صوتوا له و يطلب خروجهم للشارع طلبا لتحقيق مشاريعه و هو ما فعله الجنرال ديغول سنة 1958 و فرض بواسطته قيام الجمهورية الخامسة في بلاده.
و من شأن هذا السيناريو أن يخيف طبقة سياسية هي في غالبها لا تريد أن تعاكس نص وروح الدستور خوفا من أن ينقلب عليها.
غير أن جهات أخرى لا ترى هذا الرأي و تعتقد أن “شعب” قيس سعيد لا يفوق بأي شكل عدد الذين صوتوا له في الدورة الأولى و أن الآخرين من الوافدين ، قد خاقوا خوفا شديدا مما أحاط بسمعة منافسه نبيل القروي من سيء الصيت خصوصا بعد الحملة الكبيرة التي نظمتها له النهضة على إثر ما نشر من وثائق اتهمته فيها بالتمويل الخارجي و التعامل مع إسرائيل و هي حملة شملت كذلك عيش تونسي و امتدت حتى إلى النهضة و لكنها فعلت فعلها الكبير مع القروي و حزبه و بعد أن كان في التشريعيات و وفقا لاستطلاعات الرأي تونسية و أجنبية يحتل مرتبة أولى مريحة تدحرج إلى مرتبة ثانية بعيدة بحوالي 14 مقعدا بحيث لم يعد حزبه مدعوا لتشكيل الحكومة و انهار في الانتخابات الرئاسية.
و بين هذا الرأي و ذاك عن القدرات الفعلية لقيس سعيد لتعبئة الشارع بحيث يفرض أجندته الخاصة حتى على النهضة و الرأي الآخر الذي يقلل من تلك القدرات لا بد من انتظار العلاقة بين ذراعي السلطة التنفيذية، هل ستكون متوترة أم ستكون هادئة ؟