تونس –“الوسط نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
مبروك الرئيس الجديد لتونس قيس سعيد و بهذه الصفة فإنه جدير بالاحترام و التقدير اللائقين بالخطة فهو رئيسنا ابتداء من اليوم و إن كانت التقاليد تقتضي أن يستلم الخطة الرئاسية و متعلقاتها بعد مدة تتطلبها الاجراءات المرعية وصولا إلى المناسبة المتمثلة في الحفل الخاص بأداء القسم.
بعدها يستلم قيس سعيد مهامه الرئاسية كما ضبطها له دستور 2014 باعتباره هو الضامن لذلك الدستور “و هو رمز وحدة البلاد و الضامن في استقلالها و اسمراريتها و الساهر على احترام الدستور” سواء كان موافقا لمقتضياته أو داعيا لتحويرها.
و كسابقيه من انتخب منهما عن طريق المجلس التأسيسي (منصف المرزوقي) بعد توافق بين النهضة و حزب التكتل و حزب المؤتمر أو من انتخب بالاقتراع العام (الباجي قائد السبسي).
نتيجة توافقات لاحقة بينه شخصيا و بين حزبه و راشد الغنوشي شخصيا و نيابة عن حزبه حركة النهضة و غيرهما و ما تبع ذلك من تشكيل حكومات متعددة الانتماءات تعتبر بحكم ما تنص عليه مبادئ العلوم السياسية مسؤولة بالتضامن أمام البرلمان و الشعب، صاحب الأمر و النهي، متمثلا في كلمة الصندوق الذي أنهى أو كاد الحزب الاول المنبثق عن انتخابات 2014 نداء تونس و قصب أجنحة الحزب الثاني في انتخابات 2014 أيضا النهضة (88 و 66 مقعدا في البرلمان المتخلي).
و اليوم فإننا نجد أنفسنا أمام رئيس غير مدعوم و لو نظريا بكتلة أو كتلتين أو أكثر في البرلمان يبدو و كأنه حائز على ثقة الكتلة الأولى في البرلمان الجديد التي رغم تدحرجها من 66 مقعدا إلى 52 مقعد و المدعوة بحكم مقتضيات الدستور لتشكيل الحكومة مستحيل منفردة و إنما احتمالا بمشاركة من عدة كتل في البرلمان الجديد ليس معروفا اليوم من هي التي سجلت قبولا للدخول في توافق مع النهضة لتوفير أغلبية 109 من الأصوات لاستطاعة تمرير الحكومة و نيل ثقة مجلس الشعب.
غير أن للسياسة أحكامها و إن بدت هذه المرة ضبابية اعتبارا لطبيعة نظام الاقتراع و الذي كان و ما يزال يشرذم كتل مجلس نواب الشعب و يزرع الشك بشأن احتمالات تشكيل سهل لحكومة ما في ظل وجود 17 نائبا منفردين لا ينتمون إلى أحزاب أو قائمات مستقلة ليست واضحة انتماءاتهم و 180 نائبا ينقسمون إلى عائلتين تشق كل منهما اختلافات عميقة.
بصعوبة البدايات بالنسبة لرئيس جديد للجمهورية ليس لأحد غيره يمكن أن يحل معادلة تربيع الدائرة كما يقول المثل الفرنسي.
و ليكن الله في عونه و حركة النهضة الأولى في الانتخابات و التي يعود لها دستوريا أمر تشكيل الحكومة بقاعدة لا تتجاوز 52 مقعدا في المجلس و تحتاج إلى مدد إضافي 57 آخرين من النواب ليس واضحا حاليا من أين ستأتي بهم إلا في حالة قيام أغلبية رئاسية تتجاوز الانقسام الحزبي و تلتف حول رئيس الدولة الجديد لتعطيه فرصة إبراز مواهبه في تشبيك الخيوط أو تفكيكها من بعضها البعض و هو أمر لن يكون سهلا إلا إذا قررت الأحزاب أن تكون قي عون رئيس جديد تنقصه التجربة.
الرئيس قيس سعيد الذي لم يتوقعه أحد رئيسا للدولة و كان يقال عنه كما عن منافسه نبيل القروي إنهما لا يعدوان أن يكونا بالونتين قابلتان للانفجار في أي وقت ظهر في قائمات الترشيح للرئاسية في مؤسسات استطلاع الرأي منذ سنة الثورة أي منذ 2011 و لقد قفز إلى الصفوف الأمامية منذ 2014 و ما زال يزحف حتى ظهر كمنافس جدي منذ جانفي 2019 دون أن توليه الطبقة السياسية أهمية تذكر غير أنه تميز بالمثابرة و المواظبة و الاصرار و الصلابة في الموقف و قد خدمته كما خدمت نبيل القروي للوصول إلى الدورة الثانية عوامل داخلية و خارجية و إن اختلفت فقد جمع بينها استفادة كليهما من غباء العائلتين السياسيتين الرئيسيتين في تونس أو هكذا كان يظن فقد أفلت عبد الفتاح مورو من التحصل على دخول الدور الثاني ليس بقارق كبير لولا ترشح مجموعة من بعض المرشحين المحسوبين على العائلة الاسلامية في مقدمتهم سيف الدين مخلوف و بعض الآخرين و يبدو أن المرايحي هو الآخر “قضم” من خزان مورو أما الزبيدي فكان بإمكانه أن يأتي أولا بعدد أصوات حتى أكثر من سعيد في الدور الأول لولا ترشح يوسف الشاهد و عدد آخر ممن يصفون أنفسهم بالوسطيين.
و في هذه الحالة كان يمكن أن يكون السباق بين عبد الكريم الزبيدي و عبد الفتاح مورو و كان يمكن أن يكون رئيس الجمهورية اليوم أحدهما و لكن السياقات الانتخابية ليست خيالا سياسيا بل واقعا تفرضه مساقات لا يمكن التحكم فيها مسبقا أو التأسف عليها لاحقا و إن كانت تدل في بعض الأحيان عن السقوط في حالة غباء سياسي يؤدي إلى كوارث.
المهم أن تونس اليوم تجد نفسها أمام واقع جديد يتميز بصعود رجل قانون لا بد له أن يحيط نفسه بمجموعة من الخبراء في شتى الميادين التي لا يسيطر عليها و لا بد للذين سينجحون في تشكيل الحكومة سواء من الوهلة الأولى أو الوهلة الثانية أن يعتمدوا عليه في اختيار كفاءات ربما يكون على دراية بمكامنها بوصفه جامعي توفرت له فرصة كبيرة لمعرفة الناس و الكفاءات.
و الأمل معقود على أن لا تصل البلاد بالرئيس الجديد إلى مغامرة عدم القدرة على تشكيل حكومة فيضطر بحكم الدستور للدعوة لانتخابات تشريعية جديدة لا يتنبأ أحد اليوم كيف تكون تركيبة المجلس المنبثق عنها في ظل طريقة اقتراع غير مطمئنة.
البعض يقول إن الثورة التي طفا بريقها بعد 2011 بكل من حكموا البلاد ستستعيد كل إشعها بانتخابات 13 أكتوبر 2019 ؟
هل صحيح هذا..!!!؟؟؟