تونس –“الوسط نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
بعد مصادقة البرلمان على القرارات الاقصائية كيف تتبدى الأوضاع المستقبلية لنقل أولا أننا سننطلق من حالة من التوقعات التي لا بد أن تتأكد على أرض الواقع :
أولا : أن رئيس الجمهورية سيضع توقيعه على القانون الأساسي الذي يستبعد نبيل القروي و ألفة التراس و ربما عبير موسي من سباق الانتخابات المقبلة مما يفتح الأبواب مشرعة أمام النهضة و تحيا تونس و نداء تونس بعد أن تمت المقايضة بمنح باتيندة الحزب الندائي كما يقال إلى حافظ قائد السبسي نجل الرئيس ضد كل منطق باعتبار أن شقه أقلي بالمقارنة مع شق طوبال و كان لا بد من دفع ثمن ذلك متمثلا في حق ابن الرئيس بالفوز في السباق الذي يواجه فيه الشق الثاني بزعامة طوبال في نداء تونس و نيله الباتيندة و هو ما تم لنيل التوقيع الرئاسي.
ثانيا : أن يكون مؤكدا أن الهيئة الدستورية الوقتية لن تسقط التغييرات المدخلة على القانون الانتخابي و لن تسمها بأنها منافية للدستور.
**
من هذا المنطلق و هو غير مؤكد يمكن الدخول في تحليل الأوضاع السابقة للانتخابات المقبلة تشريعية و رئاسية.
و يعتقد كل من الغنوشي من جهة و الشاهد من جهة أخرى أنهما و غيرهما يُؤمنون المرحلة المقبلة باستبعاد كل الجهات التي يمكن أن تضع ظلا كثيفا أمام احتمالات عودتهما للسيطرة على الواقع السياسي بنيل أغلبية مريحة و تقاسم دواليب السلطة إلى حين ملوحين بعدم إقصاء الأحزاب “الصغيرة ” باعتماد نسبة عتبة للإقصاء بـ 3 في المائة لا خمسة في المائة كما كان مطلوبا.
و كانت عمليات سبر الآراء العديدة المنشورة منذ أقل من شهر توقعت أنه لو جرت الانتخابات سواء التشريعية أو الرئاسية في الفترة الحالية فإن موجة قوية من التصويت ستذهب لأربعة عائلات سياسية هي بالترتيب :
- مجموعة نبيل القروي الذي تعطيه آخر الاستطلاعات ما يمكنه وحده من نيل أغلبية مريحة جدا قد لا تحتاج لدورة ثانية.
- قيس سعيد الذي يسود اعتقاد كبير بأنه ليس سوى فقاعة وقتية ستنفجر من ذاتها لافتقارها إلى قاعدة تنظيمية.
- مجموعة عيش تونسي وزعيمتها المعلنة ألفة التراس ، ومن ورائها زوجها الفرنسي مالبورغ الذي يقال إنه كان وراء حملة الرئيس ماكرون ونجاحه .
- عبير موسي التي يشق حزبها الصفوف متقدما من يوم إلى آخر ، باعتماد خطاب شعبوي لا يعترف لا بالثورة و لا بالنظام و الدستور المنبثق منها.
و إذ توفقت أحزاب الحكم و من ورائها حزب أو اثنان آخران يسودهما خوف من أن يتم سحقهما من تواجد الأربعة أطراف المذكورة في مقدمة التصويت للتدليل على أن صعود الأطراف تلك في عمليات سبر الآراء مرده اعتماد شعبوية “ممجوجة” و العزف على أوتار فشل أحزاب الحكم و تردي أوضاع الناس، و إذا أصاب الهلع الأحزاب الحاكمة منذ 2012 و خاصة 2015، فقد دلت عمليات الاستطلاعات الأخيرة أن الناس قد يكونون يبحثون عن وجوه جديدة للحكم غير النهضة و مجموعة نداء تونس و تحيا تونس و الأقمار التي تدور في فلكهما و أن الأطراف الأربعة تتميز بعذرية صحيحة أو وهمية و لكن أملا قد يكون معقودا عليها بعد فشل أحزاب الحكم فشلا ذريعا خلال الثماني سنوات الماضية.
من هنا فإن الهلع الذي أصاب أحزاب الحكم أي النهضة و تحيا تونس و نداء تونس و التحالفات الموالية لهما قد دفعها وفي الوقت غير المناسب لمحاولة تحصين نفسها للبقاء في الحكم و منع آخرين من الارتقاء إليه بإدخال تعديلات سريعة على المجلة الانتخابية و إن كانت تتسم بالشرعية فإنها تفتقر للمشروعية و تبدو منافية للأخلاق السياسية.
و إذا كانت تلك الرغبة مشروعة باعتبار أن الأسلحة التي استعملتها تلك الأحزاب غير أخلاقية من وجهة النظر السياسية فالسؤال المطروح هو متى كانت النهضة أو بقية أحزاب الحكم لم تستعمل المال الفاسد و غير المعروف المصادر و لو بدرجات متفاوتة للتأثير على التصويت.
الا أن لا أحد أثار هذا الإشكال في انتخابات سابقة لعله بسبب تورط الجميع في تلك المسيرة غير أن التهديد المباشر الذي أصاب أحزاب الحكم هذه المرة هو الذي أثار فزعها فالتجأت إلى مقولة تخليق العمل السياسي في انتخابات 2019.
و النتيجة هي إصدار هذا القانون الذي لن يصبح قانونا متمتعا بالقوة التنفيذية إلا بعد صدوره في الرائد الرسمي ممهورا بتوقيع رئيس الدولة و بعد أن تتركه هيئة دستورية القوانين يمر دون عراقيل و إن كانت تعتريه في نظر عدد من شراح القانون الدستوري شوائب عديدة.
**
إذن فإن القانون يحتاج إلى ذاك العنصران لاستمرار الاعداد للعملية الانتخابية التي ستنطلق للتشريعية في شهر جويلية بتقديم الترشحات و إذا سقط أحد العنصرين فإنه من المحتمل أن لا تجري الانتخابات في موعدها و سيكون لهذا الأمر تبعاته الخطيرة لأن الثقة في تونس ليست قائمة على قوتها الاقتصادية المهلهلة بل للضمانات الديمقراطية التي تتجه بها إلى العالم و إذ انتفى هذا العنصر فإن الثقة ستنهار و ربما و هذا شديد الاحتمال فإن ضمانة صندوق النقد الدولي لتونس ستسقط و معها ثقة الممولين في تونس و اقتصادها و بدون إخافة أحد فلعل البلاد تجد نفسها في عجز عن الوفاء بالتزاماتها :
أولا : عدم وجود الموارد التي تكفل استمرار صرف المرتبات و جرايات التقاعد و المستحقات التي يدفعها صندوق التأمين على المرض.
ثانيا : العجز عن إيفاء الحكومة بالتزاماتها إزاء المزودين و المقاولين في سلسلة تصل لمزودي المزودين و مرتبات أعوان الشركات الخاصة.
فالوضع السياسي و استقراره و الصورة السياسية التي تعطيها تونس عن نفسها بأنها دولة ديمقراطية أو على طريق الديمقراطية لا ينبغي أن تخدشها أخطار من هذا النوع قد تدخل البلاد في متاهات البلاد في غنى عنها هذا بقطع النظر عن أن تعديلات القانون الانتخابي هي تعديلات من وجهة النظر الموضوعية بدون معنى لأن منع أحزاب أو مجموعات معينة من الترشح سواء رئاسيا أو تشريعيا يمكن أن يقع تجاوزه بتغيير في الأشخاص أو بالقائمات المستقلة التي يعرف الناس لمن تنتسب من أحزاب أو مجموعات أصابها الاقصاء فتتجه الأصوات للجهات التي تنتسب إليها أصلا تلك القائمات أو التي كان مفترضا أن تنتسب إليها.