-
خسائر منتظرة… وجحافل نعوش العسكريين….
بالرغم من أن المعلن كان يقوم على أن روسيا تعتبر ثاني أقوى قوة عسكرية في العالم ، فإن مغامراتها في “أوكرنيا ” التي كان مفترضا عند القيادة الروسية و “بوتين ” بالذات ، أن تكون سريعة في السيطرة على البلاد بطولها وعرضها بما فيها عاصمتها ” كياف ” في 48 ساعة على الأكثر ، ولكن مرت اليوم أسابيع ثلاثة دون أن تستطيع موسكو أن تنهي حربا غرقت في أوحالها ، وسيتطلب الأمر من القيادة الروسية وقتا قد يطول أو يقصر لاحتلال دولة مستقلة معترف بها دوليا وعضو في الأمم المتحدة باعتراف موسكو ذاتها.
لكن للمرء هنا أن يتوقف عند أمرين اثنين ، قد يستهجن كلا منهما غالب المواطنين التونسيين ولا يتفقون بشأنهما معي ومع ما أذهب إليه:
أولهما ، تلك المقاومة الكبيرة ، التي أظهرتها القوات المسلحة الأوكرانية ، في مواجهة الهجوم الروسي ، حتى لا نقول العدوان الروسي، وشجاعة الرئيس الأوكراني وشعبه .
وثانيهما أن الجبهة حول ” بوتين” أصابتها هزة شديدة تمثلت في إقالة اثنين من كبار القادة الاستخباراتيين الروس ، باعتبارهم زينوا له ، أن ” النزهة ” في أوكرانيا ” لن تستمر أكثر من 48 ساعة” ، ويتم خلالها احتلال البلاد بالكامل ، و إزالة حكمها ، وتعويضهم بحكم بديل وعميل لموسكو، كما إن الرئيس الروسي أخذ في مهاجمة كبار الأثرياء ، الذين كان له الفضل في ثرائهم ، فانقلب عدد منهم على أعقابهم ، عندما تهددت العقوبات الغربية مصالحهم ، واتهمـــهم ” بوتين “، بتقديم مصالحهم الشخصية المالية وثرائهم ،على ما يعتبره المصلحة العليا لروسيا.
ومن المقدر أن لا يستمر هذا الوضع طويلا ، فلا بد أن يأتي يوم ، يقع فيه احتلال البلاد الأوكرانية ، وعاصمتها “كياف” من طرف روسيا ، ويجري إسقاط رئيسها “زيلانسكي ” وأسره ،هو وقيادة بلاده، وتنصيب حكم عميل موال لروسيا ، وستواجه موسكو حينها ، مقاومة لا قبل لها بها ، كما سبق أن واجه الاتحاد السوفييتي مقاومة الأفغان ، ولاحقا أمريكا مثل تلك المقاومة ، فالشعوب قد تنهزم مؤقتا ، ولكنها تنتصر في النهاية ، والاحتلال مهما كان سواء نجح أو فشل مؤقتا ، فإن منطق التاريخ يبرز أنه غير دائم ، فلا الجزائر وليبيا استطاعت شيئا في مغامرة قفصة سنة 1980 ،التي استهدفت قسمة تونس شمالا وجنوبا بين الدولتين المجاورتين ، وغزو صدام للكويت سنة 1990 ، انتهى بكارثة للعراق وكل العالم العربي بعد انزياح احتلال الكويت ، وتجارب الأمريكان في سوريا والعراق وأفغانستان ،اضطرت واشنطن لانسحاب غير مشرف في كل الأحوال.
وإذ تستطيع روسيا السيطرة على أوكرانيا ، فإنها ستقع مجابهتها بمقاومة لا قبل لها بها ، فتضطر كما اضطرت سابقا لانسحاب غير مشرف من أفغانستان ، كانت نتيجته دمار اقتصادي وغضب شعبي ، انتهى لا فقط إلى انفراط عقد دول إمبراطورية ما وراء الستار الحديدي في شرق أوروبا وسقوط جدار برلين ، بل وأيضا إلى انفجار الاتحاد السوفييتي ، وانكفاء روسيا على نفسها زانفراط إمبراطوريتها ، وهو ما لم يقبل به ” بوتين “، ظنا منه أنه جاء الوقت لاستعادة الإمبراطورية السوفييتية ، بدء بأوكرانيا ، ثم “مولدافيا” و “جورجيا” ، واللاحق أكبر.
غير أن تلك على ما يبدو ليست سوى أحلام يقظة ، تعشش في عقل رجل فقد توازنه ، وغابت عنه حقائق عالم معاصر ، لم يعد يقبل بغزو الدول المستقلة ومحاولة إخضاعها ، مهما كانت التعلات والتبريرات ، ما دامت لا القوانين الدولية ، ولا التوازنات العالمية تسمح بذاك.
سينجح بوتين في احتلال أوكرانيا غالبا وإسقاط حكمها وتعويضه بمجموعة من العملاء ، ولكن بأي ثمن ، مالي باهظ ، وأيضا بخسائر في العتاد كبيرة ومكلفة ، وخاصة في تلك الجحافل من نعوش العسكريين الشباب، كما حصل في أفغانستان ، أيام كان الاتحاد السوفييتي يعد 350 مليونا من السكان ، وروسيا تعد اليوم 140 مليونا ، لا قبل لهم بتحمل خسائر كبيرة في الأرواح..
ربما ذهب الرئيس الأوكراني “زيلانسكي” ضحية شجاعته في مقاومة الغزو الروسي ، ولكنه سيبقى علما من أعلام التاريخ كما كان “اللاندي” رئيس دولة الشيلي الذي قلبته أمريكا ، وبقي أحد رموز الشجاعة والدفاع عن الحق في العالم.