تونس –“أونيفار نيوز” – كتب : عبد اللطيف الفراتي
لا يعرف أحد كيف وصل قيس سعيد ، إلى قمة هرم السلطة ، ولكن المؤكد أنه اعتمد أسلوبا غير معهود ،
قوامه نظافة اليد ، في بلد استشرى فيه الفساد ، وتجندت له قوى بعضهم يصفها بالخفية.
كان يبدو مغلوبا على أمره ، خاصة بعد أن خانه من عينه لرئاسة الحكومة هشام المشيشي تماما كما كان حصل مع الشاهد ، ولكنه استجمع من الضعف الذي كان يبدو عليه ، قوة خارقة كما شمشون ، ومزق قيوده التي قيده بها دستور مغلق ، وصل بالبلاد إلى مأزق سواء أرادت ذلك النهضة ، مصمم ذلك الدستور ، الذي وصفه في حينه مصطفى بن جعفر بأنه أحسن دستور في العالم ، والذي قلت فيه في بداية 2015 في مقال مطول وفي مناظرة تلفزيونية ، بأنه سينتهي إلى زقاق غير مؤدي وسينتهي إلى مأزق لا محرج منه .
في 24 جويلية 2021 ، كان الزقاق قد انتهى إلى ما لا يؤدي من طريق بدت مغلقة تماما كالدستور ، فقد بدت السلطة المنقسمة على نفسها في وضع أعجز من مواجهة واقع متأزم ، زادته إدارة في أسوء حال لبرلمان لم يعد معبرا عن حقيقة التوازنات في البلاد ، ومعارضة منقسمة على نفسها ومعطلة للسير الطبيعي جزء منها بأدوات غير مقبولة ، وحكومة الجزء الأكبر منها بوزراء بالنيابة لا يتمتعون بحقيقة السلطة ، ورئيس حكومة همه البقاء في موقعه ولو ذهبت البلاد في داهية ، ورئيس دولة وإن تمتع بشعبية كبيرة فإنه معزول في قصره لا حول ولا قوة له ، يشعر بالخذلان ممن اصطفاه لأغلى منصب تقريري في الدولة، ولكنه ارتمى في حضن خصمه الغنوشي ، لا يرفض له طلبا .
يوم 25 جويلية انفجر الشارع ، وفي حركة وصفت بالتلقائية وما هي كذلك وفقا لما تبين لاحقا ،بالذات ضد النهضة وضد الغنوشي ، ممن وقع تحميلهما كل مسؤولية كارثة العشر سنوات الأخير ، بعد أن فاق عدد ” قتلى ” الكوفيد 20 ألفا ، وأفلست البلاد أو كادت ، ورئيس الحكومة وأصفيائه يقضون عطلة آخر الأسبوع في أفخم الفنادق ، ورئيس مجلس شورى النهضة ، يهدد بإخراج الشارع إن لم يقع إقرار تعويضات كبيرة لأتباعه وأتباع الغنوشي يوم 25 جويلية بالذات .
بدا أن النهضة التي كانت تفاخر بأنها أخرجت للشارع 100 ألف (؟) من الأنصار في فيفري السابق ، كنمر من ورق في ذلك اليوم ، وجماهير غفيرة تهاجم مقراتها وتحرق بعضها وتتلف وثائقها ، بدون رد فعل يذكر ، فالأحزاب الحاكمة في البلدان المتخلفة ينفض عنها من يعتبرونهم أنصار لها بمجرد هبوب العاصفة ، كما حصل مع حزب الدستور سنة 1978 و1984 وفي تلك الأيام المجيدة 17//14 ديسمبر جانفي 10/11، فلم يرفعوا حتى مكانس للدفاع عن مقراتهم ، فتعرت حقيقة نضاليتهم جميعا.
كم عدد الذين خرجوا يتظاهرون ضد النهضة ، لا أحد يستطيع لهم قدرة على الإحصاء ، فقد شملت المظاهرات المنددة أعداد كبيرة من المدن والقرى.
وكان مفترضا أن تتواصل تلك الحركة في اليوم الموالي والأيام التالية ، ويقول المنظمون “المجهولون” على الفايس بوك وتويتر وبالقول في الشارع ، إنهم سيجمعون أعدادا أكبر في الأيام الموالية ، وسيقتحمون مقرات النهضة التي لم يقتحموها بعد.
ولا من مجيب ، فقد ظهرت النهضة أضعف مما يظن ، وتعرت على حقيقتها ، كأي حزب حاكم في بلد متخلف ، يأخذ قوته الظاهرة من وجوده في السلطة ، ويستعمل جهاز الدولة ، مصدر قوته ، بدون قوة ذاتية حقيقية.
**
مان مفترضا إذا كان الرئيس قيس سعيد وراء الحراك ، أن يدعه مستمرا ، لعدة أيام حتى يؤدي دوره، ولكن الرئيس التونسي لم يكن على ذلك الحس السياسي المرهف ، فقد سارع ليلتها لاتخاذ قراراته الاستثنائية، ولم يكن من قدرة على الصبر والمناورة ، حتى تصبح قراراته ،عملية إنقاذ مطلوبة من كل الشعب بما في ذلك النخبة السياسية وخاصة الطبقة المؤثرة في هذه الأحوال بشدة، أي كل طبقة رجال القانون الدستوري ، كان في عجلة من أمره ، وبدا أنه ليس رجل السياسة الحصيف ، الذي يترك الوقت للوقت ليفعل مفعوله ، laisser le temps au temps .
اتخذ قرارته بعد أن جمع قيادات القوات المسلحة .
خرج الناس ليلا تأييدا يكاد يكون إجماعيا للتأييد رغم حالة الطوارئ ومنع الجولان ، بما يذكر بكل الذين خرجوا ليلة 13 جانفي 2011 بعد خطاب بن علي الإعتذاري ، والذي انقلبوا عليه في اليوم الموالي.
سيبدو لاحقا أن الرئيس قام بحركة غير مخطط لها ، فليست له حكومة جاهزة ، ولا خطة مبرمجة ، وإنما أفكار مبعثرة، ولا برنامج للإنقاذ ، ومن هنا انفض من حوله كثير من الذين أيدوا قرارات ليلة 25 جويلية أو جلهم.
ماذا بعد ، لا خريطة طريق ، ولا تصور مستقبلي بحكومة رغم كفاءة أفرادها ليس أمامها مسار واضح ، إلا نظافة اليد. هل يكفي ذلك .؟
(يتبع)