تونس – “أونيفار نيوز” – كتب : عبد العزيز قاسم مهسا أميني فتاة في الثانية والعشرين، من مدينة سقز، محافظة كردستان إيران، قدمت صحبة أسرتها إلى طهران لزيارة بعض الأقارب. وخرجت تتجول في العاصمة رفقة شقيقها وبالقرب من إحدى محطات الميترو فاجأتها شرطة الأخلاق واقتادتها إلى مخفر الأمن بتهمة أنها لا ترتدي حجابها بالشكل الصحيح، بمعنى أن غطاء رأسها لم يكن مشدودا بما فيه الكفاية مما جعل خصيلات من شعرها غير مستورة وفي ذلك تبرج مشين وعهر كامن. في مثل هذه الحالات تؤخذ المخالفات إلى المركز لتلقي درس في الحشمة وفي ارتداء لباس العفة بالشكل المناسب ويطلق سراحهن عادة بعد التوقيع على التزام في الغرض. ويدوم هذا الإجراء ساعة من الزمن. ومرت الساعة ثم الساعات ومرت الليلة الأولى ثم الثانية ولم تخرج إلا في الليلة الثالثة ولكن في صندوق المنية.
في روايات متواترة, قيل إنها اشتبكت مع الشرطة وعلا احتجاجها مما استوجب تأديبها بضربة على الرأس سقطت جراءها مغشيا عليها وأخذت إلى المستشفى في حالة موت دماغي ووافاها الأجل ووعدت السلطات بإجراء تحقيق جدي في الحادثة.
وشهدت طهران انفجارا غير مسبوق في شكل مظاهرات نسائية عارمة أُحْرِقتْ فيها الخُمُرُ والأحجبة وتعالت النداءات بسقوط الدولة الإسلامية القمعية وللمرة الأولى يشتم المرشدان الخميني والخامنئي. وينحاز العالم الحر إلى جانب الحركات الغاضبة. حتى أمريكا التي يقتل فيها رجال الأمن في السر والعلن معتقليهم، حتى إسرائيل التي تقتل الفلسطينيين أسرى وأحرارا، كلهم تباكوا على حال الإيرانيات. عدد المغردين المنددين بالنظام الإيراني في وسائل الاتصال الاجتماعي تجاوز الأربعين مليون. ومع تعاطفنا مع المرأة الإيرانية يجب أن نتصدى لمثل هذا التضامن الغربي الانتقائي المنافق.
البارحة، الجمعة 7 أكتوبر نشرت السلطات الصحية الإيرانية نتيجة اختباراتها وتحقيقاتها مؤكدة أن المتوفاة لم تتعرض إلى أي عنف وأن الموت جاء بسبب نوبة قلبية صاعقة وتضيف التقارير أن مهسا أميني تعرضت وهي في الثامنة من عمرها إلى مثل هذه الوعكة وتلقت العلاج في مستشفى مدينتها.
طبعا هذه الرواية مطعون فيها لأن التحريات لم تقم بها جهات محايدة. أما نحن فنقول: هب التقرير صادقا فإن المشكلة الأصلية تبقى كاملة في عنفها واعتباطها. لقد فكرتُ مليا في الحجاب وصدر لي بالفرنسية كتيب بعنوان “الحجاب هل هو إسلامي؟” وخلُصْتُ إلى أن فرض هذه الخرقة التي تغطي رأس المرأة إنما جاء نتيجة تفسير تعسفي فالمقصود من آية الخمار تغطية الجيب أي الصدر لا الرأس فكلمة شعر غير موجودة في القرآن ثم إن الحجاب المتعارف، بحسب الشيخ محمد عبده، كبير المصلحين وقاضي قضاة مصر، هو عادة ضاربة في القدم تسلطت على العادات والتقاليد في الحضر خلافا للريف.
ومن البراهين المؤكدة لما ذهب إليه الشيخ عبده هو ما قدمته كبرى عالمات الآثار في تركيا، الأستاذة معزز إيلمييه تشيغ (Muazzez İlmiye Çığ )، المتخصصة في الحضارة السومرية. وكانت قد نشرت سنة 2005 كتابا بينت فيه بحجة النقوش والألواح أن الحجاب ظهر قبل خمسة آلاف سنة تلبسه المرأة القديمة للقيام بطقوس جنسية في المعابد المخصصة. وتجند لها بعض المحامين الإسلامويين وقُدِّمَتْ للقضاء بتهمة الإساءة للإسلام وكان جوابها أنها ليست في وارد الإساءة فهي عالمة تبحث عن حقائق الأشياء وحكم عليها بعدم سماع الدعوى.
هذه العالمة الجليلة من مواليد 1914 وهي اليوم في السنة الثامنة بعد المائة، أطال الله في عمر العلماء وفلاسفة الأنوار.
عبد العزيز قاسم