-
عوضنا دستور يشكو بعض النقائص… بدستور كله نقائص…
-
شرفاء القضاء كُثَّر… قادرون على التطهير الذاتي
-
القوانين الجائرة تولد الإحساس بالقهر وتسيء إلى سمعة تونس
-
أتحسس بروز قيادة ذات مصداقية… تحافظ على اشتعال الجذوة
تونس – “الوسط نيوز” – كتب : عبد العزيز قاسم
1- غليان الشارع هذه الأيام يذكرني بتحركات الشباب العارمة التي أطاحت بنظام بن علي (17/10 /2010-14/01/2014) وها نحن نستمع إلى نفس الصيحات والشعارات “ديڤاج”، “الشعب يريد إسقاط النظام”، “حرية، كرامة، تشغيل”، الخ. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أننا عدنا إلى المربع الأول في ظل أزمة اجتماعية وسياسية لم تشهد لها تونس نظيرا منذ الاستقلال. أين نحن اليوم من خرافة أول دمقراطية في العالم العربي؟
2- كثيرا ما أختزل عشية يوم 14 جانفي 2011، في صور خاطفة علقت في الذهن إحداها للمواطن أحمد الحفناوي يمسح على رأسه بيده ويقول بصوت متهدج: “هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية” أما الصورة الثانية فهي للمحامي عبد الناصر العيوني، في شارع الحبيب بورقيبة الخالي بسبب حظر الجولان ليلا، وهو يبشر الشعب بصوت مبحوح: “بن علي هرب، بن علي هرب”. هذه الحماسة لم تعمر طويلا فسرعان ما اصطدم الأول بالواقع إذ خسر مشروعه التجاري فندم على ما فاه به. أما المحامي المشارك في مظاهرة يوم السبت المنصرم فقد نال ما نال من عنف بعض الأعوان.
وفي تصريح لإذاعة موزاييك يقول: من أتوا بعد بن علي هم أسوأ منه.
3- الدولة في حالة فشل شبه تام على كافة الأصعدة: التنمية والتربية والثقافة، قطاعات منكوبة. أما غيابنا الدبلوماسي فحدث ولا حرج. حتى الأزمة الليبية التي تهمنا مباشرة وبصورة مصيرية نحن لسنا منها لا في العير ولا في النفير. نظام بن علي لم يكن شرًّا كلُّه إلا أن ظروفا داخلية وخارجية، لا فائدة في اجترارها، عجلت بانتهاء صلاحيته فتم إسقاط حكمه دون التوصل إلى تعويضه بنظام جدير بهذا الاسم. فنحن اليوم تحكمنا جماعات يمكن وصفها بالهواة إذا تلطفنا أما إذا أردنا تسمية المسميات بأسمائها فقد نخرج عن دائرة الأدب.
4- كان لدينا دستور يشكو بعض النقائص فعوضناه بدستور كله نقائص. الرئاسات الثلاث تتخانق والشعب مخنوق بفضل هذا الدستور الأخرق. كانت لدينا عدالة خاضعة لإملاءات النظام فاشتد عليها ضغط الطغمة الحاكمة الجديدة، وهو ما يفسر ما يتمتع به الفاسدون الجدد من التواطؤ والحصانة، وهو ما يعرقل الوصول إلى الذين أمروا بقتل شكري بالعيد ومحمد البراهمي، وهو ما يحمي المجرمين الذين سفّروا شبابنا إلى بؤر الإرهاب وجندوا بناتنا إلى جهاد النكاح، في عملية ديوثية فاضحة. وقائمة الجرائم تطول إلى ما لا يحصى… وأنا على يقين من أن الشرفاء من قضاتنا، وهم كثر، قادرون على جعل القضاء يقوم بالتطهير الذاتي المنشود، لو ساندناهم بما يكفي من الحزم والمثابرة. وإليهم أتوجه هنا بنداء حار: أطلقوا سراح الشباب المعتقل مؤخرا وسراح الشبان المحكوم عليهم بثلاثين سنة سجنا لأنهم دنسوا قدس الأقداس الرياضية بتدخين سيجارة قنب. القوانين الجائرة تولد الإحساس بالقهر وتسيء إلى سمعة تونس.
5- وأعود إلى الأحداث فأتساءل: ماذا جرى؟ كيف حلت اللعنة؟ قال الشابي ” إذا الشعب يوما أراد الحياة…” ولقد رأينا كيف حركتْ إرادةُ الحياة شبابنا المتوثب. ولكن الشابي يقول لنا أيضا إن الإرادة لا تكفي. فالشعب قوة جبارة قادرة على التغيير بشرط أن تؤطرها قيادة حكيمة:
أيها الشعبُ أنتَ قوةٌ لم تسُسْها فكرةٌ عبقريةٌ ذاتُ بأسِ
شبابنا يشتبك حاليا مع قوى الأمن، وقبل أن نصل إلى نقطة اللاَّعوْد وإلى ما لا تحمد عقباه، أطلب بإلحاح من عقلاء الحراك ومن حكماء الشرطة التدخل السريع لإطفاء نار الفتنة بين المتظاهرين وأعوان الأمن. إن الساهرين على حماية الوطن والمواطن والذين دفعوا ضريبة الدم من أجلهما يستحقون الاحترام والتبجيل ولكني أنبه إلى أن التهجم على قوى الحداثة ونعتها بالإلحاد والحثالة يضع الأمنيين في خانة الفكر الظلامي ويفقدهم الكثير من الهيبة والمصداقية. خاصة أن جنودنا وعناصرنا الأمنية لم يقتلهم “الملاحدة والشيوعيون” بل ذبحهم حثالة التكفير والتكبير…
6- قلنا إن شبابنا يتحرك على غرار شباب 14 جانفي قبل عشر سنوات خلت ولقد لاحظنا منذ البدء افتقار هؤلاء إلى زعامة مستنيرة. هذا الغياب الدراماتيكي جعل الدماء تسيل سدى ويسَّرَ للإسلام السياسي الهرولة إلى الركوب على ما سُمِّي بالثورة وإلى التقاط الحكم الواقعِ أرْضًا وكان ما كان من اقتسام الغنيمة وإهدار المال العام ومن بيع وبيعة. في هذا السياق، وبعيدا عن شعار رابعة وعنعنات اتحاد علماء القرضاوي، وعن التشدق بدمقراطية سقيفة بني ساعدة، أطلب من خبراء الاقتصاد عندنا، أن يقدموا لنا بسطة موضوعية عن إنجازات الاقتصاد المصري منذ أن تم تخليص البلاد من حكم الإخوان.
7- أنظر اليوم إلى ما يعبر عنه الشباب من غضب مشروع، وهذا في حد ذاته ظاهرة صحية، وأتحسس بروز قيادة ذات مصداقية تستثمر هذا النشاط وهذه الحمية وتحافظ على اشتعال الجذوة. ما زال في البال خروج مظاهرات مليونية غداة مقتل الشهيدين ثم كلّت الهِمم وباضت طيور النحس وفرخت وغطت بأجنحة الشؤم على الجريمة.
8- كان شكري بالعيد من بين المناضلين التونسيين القلائل الذين توفرت فيهم صفات الكاريزما ومقومات الزعامة من حيث الرؤية والثقافة وبراعة الخطابة وفي اعتقادي أن الذين قرروا اغتياله كانوا يقصدون إزالة العبقرية القادرة على تعريتهم وزلزلة صروح الظلام وقلاع الجهل والخرافة التي ما انفكوا يبنونها لمحاصرة الفكر الحر. لو عاش شكري بالعيد لما أصبح جامع اللخمي المرجعية الأولى في التكفير والتجهيل والتحريض على القوى الحداثية ولما أصبح مجلس النواب مرتعا لصعاليك حماية الثورة ولمن لا يفرق بين تشرتشل وابن خلدون .