تونس – اونيفار نيوز يدرك السياسيون جيدا، وخاصة أصحاب التجربة منهم، أن القرارات الحاسمة والإجراءات الشجاعة والإصلاحات المؤلمة والتحويرات المجدية لا يمكن إتخاذها بطريقة فردية وفي عزلة، بعيدا عن حلقات الإستشارة المضيقة والموسعة على حد سواء، بل أن المسؤول الواعي مطالب بأكثر من ذلك، أي ببذل الكثير من الجهد المكثف والفعال لسماع آراء من خارج مربع مستشاريه، وعدم الإكتفاء بسماع ما يريد سماعه !
هذا لا يعني، بطبيعة الحال، أنه ليس صاحب القرار، بل المسألة تتعلق، أصلا، بكيفية بلورة تلك القرارات قبل إتخاذها والإعلان عنها، لأن مسؤولية تحمل نتائجها ستلقى في نهاية الأمر على عاتقه. من هذا المنظور دأب العديد من الزعماء والقادة، الذين تركوا بصماتهم العميقة في تاريخ شعوبهم، على إضرام لهيب السجال والنقاش والحوار والجدال بين مستشاريهم والمحيطين بهم، وتغذية التنافس بينهم، للإستفادة مما ينبثق عن تلك ” المعارك”. هذا في جانب أما في الجانب الآخر فلا بد لكل مسؤول يروم النجاح في مهامه أن يحسن التعامل مع ” إرث السلف”، إذ عادة ما يلجأ الجالسون على سدة السلطة والنفوذ إلى خوض ما يسمى في القاموس السياسي ب:”الحرب السابقة”، وذلك بنسف كل ما أنجزه السلف.
وهو خطأ فظيع عادة ما تكون تداعياته كارثية، وهو الخطأ الذي سقط فيه كل الذين تعاقبوا على الحكم منذ 2011 عندما فتحوا حربا شعواء على الماضي بإنجازاته ورموزه وكفاءاته فسقطت البلاد في الفوضى والإنفلات ولم تخرج منهما إلى يوم الناس هذا.
نسوق هذه الملاحظات محذرين، مرة أخرى، من مغبة إعادة إنتاج الأخطاء التي تم ارتكبها خلال العشرية الماضية، لأن البلاد، وبعد سنوات الإنتهاك الممنهج، لم تعد قادرة على تحمل المزيد من إضاعة الجهد والوقت والمال والفرص.
لقد طفح الكيل وٱمتلأت الكأس و سدت أغلب المنافذ، وٱمتد النفق وٱشتدت ظلمته، وطال الصبر حتى نفد.