
تونس – اونيفار نيوز كانت تونس في شهر جانفي 1984 تغلي كالمرجل لتراكم المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، واضطرام الصراع بين أجنحة السلطة حول خلافة الرئيس الحبيب بورقيبة، ومع مطلع ذاك الشهر قرر الوزير الأول محمد مزالي، خلال إجتماع صاخب لمجلس الوزراء، الزيادة في ثمن الخبزة الواحدة.
إستغل بعضهم هذه التعلة للتحريض على محمد مزالي، قصد الإطاحة به، حتى اندلعت إنتفاضة الخبز في الثالث من شهر جانفي 1984، ولما اشتد سعيرها إستدعى بورقيبة طاقم تلفزي يقوده المدير العام للإذاعة والتلفزة عبد الرزاق الكافي، ويتركب من المخرج الكبير محمد الغضبان ومجموعة من المصورين والتقنيين لتسجيل كلمته التي سيوجهها بهذه المناسبة إلى الشعب التونسي، وبعد التسجيل، الذي إستمر وقتا طويلا، لأن بورقيبة كان يطالب في كل مرة بحذف مقطع وتسجيل آخر، إعترضت زوجته وسيلة بن عمار، وكانت تراقب التسجيل، على نعت بورقيبة لشيخ مدينة تونس في تلك الفترة زكرياء بن مصطفى رحمه الله ، ب : ” متاع الزبلة ” !
وطالبت بحذفها، لكن بورقيبة تمسك بها قائلا : ” الشعب لا يفهم إلا هذه اللغة ولا يقتنع إلا بمثل هذه الأوصاف “، مضيفا : ” زكرياء الذي تدافعين عنه هو الذي أوقعنا في الخطإ بتأكيده على أن الخبز يرمى يوميا، وبكميات كبيرة، في المزابل “!
إستنجدت وسيلة بن عمار بصديقها المدير العام لمؤسسة الإذاعة والتلفزة عبد الرزاق الكافي لإقناع الرئيس، فتولى هذا الأخير تنفيذ ما أمرته به، ملتمسا من بورقيبة حذف الوصف المسيء لشيخ المدينة، فأجابه الزعيم هازئا ومتوعدا : “هههه أعطتك وسيلة التعليمات هههه، لعلمك سي عبد الرزاق أنا صاحب القرار وليس وسيلة، والأوامر تصدر عني وليس عنها “.
تم بث الكلمة بحذافيرها على أمواج الإذاعات الثلاث ( الوطنية، صفاقس، المنستير ) وعلى القناة التلفزية الوحيدة في ذاك الزمن، ومن أهم ما تضمنته كلمتين عاميتين سحريتين :”نرجعوا فين كنا” لتخرج أفواج الجماهير في كل مناطق البلاد نصرة للمجاهد الأكبر ومرددة كلمته: نرجعو فين كنا ” !
وهكذا أوقف بورقيبة الإنتفاضة بكلمتين فقط. من بمقدوره اليوم أن يفعل ذلك ؟ ومن يملك بلاغة بورقيبة وذكاءه الإجتماعي؟