
تونس – اونيفار نيوز كتبنا كثيرا عن حرية الإعلام وعن حدودها الأخلاقية والمهنية والقانونية، وأكدنا في العديد من المناسبات على ضرورة توخي الحذر في التعامل مع هذه المسألة، لأن التماس بين الحرية والفوضى يتمثل في خيط دقيق جدا، ولأن الفوضويين، الذين دأبوا على ركوب سروج الحرية لمآرب شتى، عددهم لا يحصى في إعلامنا،المشدود، منذ زمن طويل،إلى مرجعيتين متطرفتين، فإما إنغلاق خانق وإما تسيب منفلت، وفي الحالتين فإن الحرية هي الخاسر الأكبر.
إن الجنوح إلى الإثارة في وسائل الإعلام المختلفة لأسباب تجارية، أمر مفهوم إذا ما توقف عند الحدود المشروطة للحرية والقواعد المهنية، لكن البعض من المندسين في هذا القطاع الموبوء بآفة الإختراقات، يخلطون خلطا عشوائيا بين الإثارة المهذبة والإنجرار إلى حضيض الإساءة الرخيصة، وبين هامش الحرية ، على اتساعه والفوضى العارمة.
لقد أصبحت الإثارة، حتى وإن كانت رخيصة ومبتذلة ومسيئة للبلاد والعباد، الهدف الأساسي للعديد من العاملين، بالحق أو بالباطل، في قطاع الإعلام، إذ حان الوقت للإعتراف بأننا نعيش، منذ أكثر من إثنتي عشر سنة ،خارج منطق “حرية التعبير”، بفهومها القيمي الصحيح.
كنا نعتقد، واهمين، أن هذا الإنفلات هو من طبيعة الدربة على ممارسة الحرية، ولن يطول كثيرا، ولكن تقديراتنا كانت خاطئة جملة وتفصيلا، ففي كل يوم يرتفع منسوب الإنفلات درجات إضافية، حتى بلغنا مرحلة أصبح فيها السكوت عما يحدث ضربا من ضروب التواطؤ، فما نشاهده من إقتراف مبيت للآثام بٱسم حرية التعبير، يغذي لدينا الخوف من ضياع المكسب الوحيد الذي حققه حراك الرابع عشر من جانفي 2011 إلى حد الآن ،ألا وهو هذه الحرية التي إفتككناها ولكننا عجزنا عن صيانتها. كنا قد نبهنا من الإختراقات المسمومة التي يعاني منها قطاع الإعلام والإتصال عموما، وركوب كل من هب ودب على سروجه ومطاياه “القصيرة” دون جدوى، وها نحن نجني اليوم نتائج الوهم الذي أصاب الجميع بأن الإعلام ” تحرر وتطور” ، في حين انه تغير فعلا ولكن نحو الحضيض ! المفارقة الغريبة هي ان الذين إنتهكوا القيم الأساسية للإعلام هم الذين يحتفلون اليوم باليوم العالمي لحرية الصحافة !