تونس – اونيفار نيوز – كتب مصطفى المشاط أبلغ في غرة جوان القادم خمسة و ستين عاما. يتزامن يوم ميلادي مع استحضار الشعب التونسي لعيد النصر حين عاد الزعيم الحبيب بورقيبة يوم غرة جوان 1955 مظفرا و مؤكدا الإنتصار على فرنسا الاستعمارية.
عشت منذ صِغَرِ سَنِّي إلى حد الآن حكايات و مواقف و أحداث عديدة، ليس هذا مجال الحديث عنها و قد أعود لها لاحقا، و لكن أود أن انطلق من بعضها لأوجه لسعادتكم هذه الرسالة.
سعادة السفير جوي هود :
ثلاث ملاحظات، أو بالأحرى حكايات، تحدد إلى حد كبير تفاعلي مع الولايات المتحدة الأمريكية – التي حصل لي شرف زيارتها و الإطلاع ميدانيا على عظمة شعبها – والتي لا نشك في أهمية تجربتها و دورها و التي يربطنا بها جسر من المودة والتعاون، يمتد ، في الزمن ، لأكثر من قرنين.
الهدية الأولى :
تعيدني إلى طفولتي و طوابير التلاميذ في مدرستي الابتدائية في مسقط رأسي مدينة سليمان و نحن نقف كل صباح في طوابير لتناول كوب حليب هو هدية من الشعب الأمريكي إلى الشعب التونسي الذي كان في سنوات الإستقلال الأولى يواجه تركة استعمارية ثقيلة عنوانها الأبرز تخلف على جميع المستويات وكان الحليب الأمريكي مصدر سعادتناو تغذيتنا .
الهدية الثانية :
أكثر “حداثة ” في الزمن و لا يقف وراءها الشعب الأمريكي بل حكومته و لا يمكن ، للأسف، إلا أن اعتبرها ” هدية ” غير بريئة بالمرة و هي ما تصرون على تسميته ” الربيع العربي ” في حين أنه فصل قاحل و مظلم لا نجد له شبيها في الفصول أو في تاريخ الشعوب.
“هدية” صنعت في أقبية مراكز القرار و التأثير و النفوذ في واشنطن و لم تكن النتيجة إلا دمارا كبيرا أصابنا نحن بالدرجة الاولى و لم يستثن حتى صانعيه الذين تناسوا ما يميز الإخوان المسلمين من لؤم و نكران جميل و خداع و غدر و يكفي أن أذكركم هنا – و هذا لا يفوتكم بكل تأكيد سعادة السفير – أن علي العريض – أحد زعماء النهضة – قد أطلق جحافل المتطرفين للهجوم على السفارة الأمريكية التي تباشرون مهامكم داخل جدرانها عوض أن يحميها.
الهدية الثالثة :
أتفاعل معها بألم كبير لأن بلادي قد بلغت حالة من الضعف و الهوان – بسبب عشرية الإخوان – لم تبلغها في السابق و لأنها تزامنت مع احتفالات عيد الفطر الذي كان من المفترض أن تكون هديته أفضل و أهم من حمولة باخرة من القمح قيمتها 15 مليار تونسي لا تكفي لسد إحتياجات أسبوع من الاستهلاك الوطني و لا تحتاج بالتالي إلى أن تكلفوا نفسكم مؤونة الاحتفاء بها و الحديث عنها.
هذه “الهدية” تذكرني بالطفل الذي جعله شارلي شابلن في شريط the kid يهشم، بتحريض من صاحب محل بيع البلور، نوافذ المنازل حتى يضطر أصحابها أنفسهم من الغد على تركيب البلور بالتعامل مع صاحب المحل الذي تولى تهشيم البلور…!!!
و لا أعتقد أني الوحيد الذي يستعير نفس التشبيه أو تشبيها مماثلا و هو ما جعل صورة الولايات المتحدة الأمريكية تهتز لدى الشعب التونسي خاصة و كل الشعوب العربية عامة بعد هذا الدمار الشامل و الإفلاس المعمم الذي تقف وراءه واشنطن – بشهادات أمريكية – و الذي نفذته عبر أداتها: الإخوان المسلمون.
سعادة السفير :
سواء تعلق الأمر بالحليب أو الإخوان أو القمح فهي كلها ” هدايا” و لكنها تختلف في المصدر و الأثر.
اثنتان من الشعب الأمريكي و أثرهما إيجابي للغاية.
و واحدة من الحكومة الأمريكية و هي “الإخوان المسلمين” و أثرها سلبي للغاية لأنها لم تنشر الا الخراب و الدمار.
نسيت أن أقول لسعادتكم أني كنت اتهكم، و أنا طالب في معهد الصحافة و علوم الإخبار مطلع ثمانينات القرن الماضي، على زملائي الطلبة الذين كانوا يعتبرون ” الإخوان المسلمين ” وكلاء الإستعمار و أدوات تدمير و تقسيم الأوطان…و لكنني اليوم و بعد “ربيع البوعزيزي” و 14 جانفي لم أعد في حاجة إلى دليل يثبت مهمة و دور و خطورة ” الإخوان ” …إنهم بكل بساطة و باختصار شديد الأداة التي صنعتموها و دربتموها…و فرضتموها لهذه المهمة بالذات…!!!
فشكرا …ألف شكر و تقدير على هذه العَبْقَرِيَّة السَّلْبِية…المُدَمِّرَة…!!!
في انتظار عَبْقَرِيَّة اِيجَابِيّة بَنَّاءَة تضع حدا لهذا الدمار الذين تتحملون مسؤولية جزء كبير منه… خاصة وان التغيرات الجيوستراتيجية جعلت المُنَافسَة في المنطقة جِدِّيَة…!!!
مصطفى المشاط