-
على قيس سعيد أن يكشف ماهية المؤامرة و هل هي تحضير لانقلاب…!!!
-
هل يشكل قيس سعيد حزب “الشعب يريد” و يترصد فرصة عدم تشكيل الحكومة ليعلن انتخابات مبكّرة…
زار الرئيس قيس سعيد مدينة سيدي بوزيد في يوم احتفال الولاية بالذكرى التاسعة لثورة 17 ديسمبر و هي تسمية غير رسمية ،حيث إن الدولة تعترف بتاريخ 14 جانفي ذكرى للثورة، و هو يوم عطلة في تونس تحت مسمّى عيد الثورة و الشباب. و لكن قيس سعيد حمل معه قرارا إلى الولاية جعل السابع عشر من ديسمبر عيدا وطنيا للثورة في انتظار مصير 14 جانفي ،و هو أول قرار يتخذه بعد تسلمه رسميا رئاسة البلاد .
-
قرار رمزي في انتظار قرارات تنموية ليست من صلاحيات الرئيس
و يبقى قرار قيس سعيد معنويا رمزيا لا غير و لم يقدر الرئيس على اتخاذ سواه لفائدة ولاية تعاني الفقر و التهميش و نقص التنمية رغم توفر قدرات هائلة في المنطقة في قطاع الفلاحة و تربية الماشية يجعل منها قطبا فلاحيا كبيرا ،غير ان الدولة و الحكومة في العقود الماضية لم تتمكن من تطوير هذه المقدرات المحلية بشكل يجعل الولاية تنمو من خلال القطاع الفلاحي الذي لم يعد يستهوي الشباب، ليس في هذه الجهة فقط و إنما تقريبا في كامل أرجاء البلاد. و عرف قيس سعيد كيف يمتص غضب الجهة فمنحها قرارا كانت تطالب به منذ تسع سنوات مسنودة من اتحاد الشغل و هو اعتراف الدولة بتاريخ انطلاق الثورة من سيدي بوزيد في 17 ديسمبر 2010. و وعد قيس سعيد الجماهير التي ملأت الساحة بالعودة إليهم مرة أخرى للإعلان عن مشاريع تنموية لن تكون ممكنة إلا متى توفر المال كما قال حرفيا للجموع هناك.
و لكن هل نسي قيس سعيد أو تناسى أن صلاحياته الدستورية لا تسمح له بإقرار المشاريع التنموية في الجهات لأن المجالات الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و التربوي و الرياضي ليست من مشمولاته الدستورية التي لا تتعدى الأمن و الدفاع و السياسة الخارجية بعد استشارة رئيسي الحكومة و البرلمان.
-
التحكم في مفاصل السلطة التنفيذية في انتظار تشكيل الحكومة
و أصبح قيس سعيد منذ توليه الرئاسة يتصرف بصفته الفاعل الوحيد في السلطة التنفيذية مستندا خصوصا إلى النسبة العالية من الناخبين الذين صوتوا لفائدته في الانتخابات و قد بلغ عددهم ثلاثة ملايين الا ربع المليون. و ساعده في السيطرة على السلطة التنفيذية حاليا تحويل للحكومة الحالية الى حكومة تصريف أعمال بما ضيّق من تحرك رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي يعمل من جهته على كسب رضاء قيس سعيد و ودّه حتى يقترحه في منصب عال بالمنظمة الأممية للتغذية و الزراعة (FAO) و مقرها في العاصمة الإيطالية روما، أو ربما يعيّنه ممثلا شخصيا له رغبة في تلميع صورته في المحافل الإقليمية و الدولية خصوصا و ان تونس ترأس حاليا القمة العربية و ستتحول لها رئاسة منظمة الفرنكوفونية العام المقبل حيث ستحتضن بلادنا قمة الفرنكوفونية 2020 التي تتزامن و ذكرى تأسيسها. كل هذا في ظرف تبدو فيه البلاد في عزلة عن العالم الخارجي الذي لا يزال يترقب مصير الحكومة و تركيبتها حتى يعرف كيف يتعاطى معها.
-
هيببة الدولة غائبة من مضمون الخطاب وعلى الرئيس أن يضمن وحدة التونسيين
يعوّل قيس سعيد حاليا على سند جماهيري كبير لم يسبقه إليه أي رئيس بعد الثورة و ربما هذا ما جعله يخطب في سيدي بوزيد بلغة لم يعهدها الشعب من قبل فكشف عن مؤامرة تحاك ضده في الظلام لمحاولة تعطيل عمله و تحميله مسؤولية كل ما يجري في البلاد و آخرها عدم نشر الحركة القضائية في الرائد الرسمي. و لكن قيس سعيد وعد بأنه لن يستسلم و سيكون رده مدويا مزلزلا على الذين يضمرون له العداء وأن القصر و منصب الرئاسة لا يعنيان له شيئا أمام خدمة الشعب . و هذا ما دفع كثيرا من الملاحظين إلى تأويل قوله بمنطق انه يمكن للرئيس أن يستقيل في أي لحظة. و لكن و أساسا و هذا المهم يمكنه أن يستند الى ناخبيه ليضغط على الحكومة أو البرلمان، لأن كل ما اقترحه سعيد على الشعب في الحملة الانتخابية مرتبط بالبرلمان و الحكومة و لن ترى مقترحاته النور مطلقا إذا عارضته السلطة التشريعية خصوصا. و أراد من خلال مضمون خطاب سيدي أن يبعث رسالة إلى الحكومة التي تنازعه السلطة التنفيذية المطلقة و إلى مجلس نواب الشعب بأنه لن يتسامح مع كل من يسعى إلى تعطيل برامجه أو مبادراته التشريعية المنتظرة و خاصة ما يتعلق منها بتغيير نظام الحكم وطنيا و في مستوى المركز و الجهات و هي الفكرة التي يتحدث عنها “منظر” حملة الشعب يريد رضا لينين الذي كثّف من ظهوره التلفزي في المدة الأخيرة.
و يبدو أن قيس سعيد منزعج من المساعي الجارية لتقليص دوره على الساحة حيث إن راشد الخريجي الغنوشي رئيس البرلمان أظهر من المؤشرات و الدلائل ما يفيد سعيه إلى نفوذ أكبر يتجاوز حتى صلاحيات البرلمان بشكل يجعله مسيطرا على السلطتين التشريعية و التنفيذية معا. و رغم كون النهضة ساندت قيس سعيد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية بل و حتى هي التي شجعته على الترشح للرئاسة و قدمت له الضمانات اللازمة ، إلا أن المصالح السياسية تظل ظرفية و غير استراتيجية في علاقة النهضة بقيس سعيد حيث يعتبر المراقبون أن النهضة اختارت سعيد حتى تتهيأ لها جميع المسالك للتغول في الحكم.
و لكن خطاب قيس سعيد في سيدي بوزيد التي صوتت لفائدته بنسبة 70 بالمائة وصفه كثيرون بانه شعبوي و أن مضمونه لا يرتقي إلى واجب الرئيس في الحفاظ على هيبة الدولة حيث لم يكن لزوما الحديث عن تعرضه لمؤامرة و توعده بالرد عليها بطريقة مدوية مزلزلة، فهذا قد يؤدي إلى نتائج غير محمودة العواقب. فكان على الرئيس ان يلتزم بكونه رئيسا لكل التونسيين و لا يحدث الانقسام بينهم تقيدا بالفصل 72 من الدستور الذي ينص من جملة ما ينص عليه كون الرئيس هو رمز وحدة الدولة. و يعتبر المتابعون للشأن العام في البلاد أن ما قاله الرئيس خطير للغاية وعليه أن يكشف التفاصيل لأن الأمر يهدد الأمن القومي للبلاد و عليه أن يكشف تفاصيل المؤامرة وهل هي ترتقي إلى درجة الإنقلاب.
-
ترصّد فرصة عدم تشكيل الحكومة الجديدة و تخوفات حركة النهضة
و لقد برز جليا من مضمون خطاب الرئيس ان وعوده الانتخابية ليست بين يديه و إنما خارج السلطة التي منحها الدستور لرئيس الجمهورية و لذلك تظهر قراءة أخرى للخطاب مضمونها أن قيس سعيد يجهز ناخبيه لمرحلة مقبلة سيعمل خلالها على تأسيس حزب جديد قد يحمل تسمية “الشعب يريد” أو ما يعادلها في المعنى باعتبار ان هناك حزبا يحمل هذه التسمية و ليست له قواعد تذكر.
و سيتحين قيس سعيد الفرصة المواتية في صورة عدم تشكّل الحكومة الجديدة ليعلن تأسيس الحزب بالوكالة ربما عن طريق رضا لينين ، و يدخل به الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها فيحصل وقتها على حزام سياسي قوي داخل البرلمان .و لكن هذه الفرضية ستكون مرهونة بعدم تشكيل حكومة جديدة وفق ما ينص عليه الدستور. فلو توفرت الفرصة سيقبض عليها قيس سعيد ويعلن حل البرلمان و اجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها مستندا في ذلك الى النص الدستوري.
و في خضم هذه المستجدات الوطنية والخارجية تتابع حركة النهضة بخشية كبيرة تطورات الاحداث و تداعياتها المرتقبة خصوصا و ان الحركة فشلت في انتخابات الرئاسة التي رشحت لها أحد قيادييها التاريخيين عبد الفتاح مورو، و تقلص عدد مقاعدها في البرلمان مقارنة بانتخابات ،2014 و سقط مقترحها في مجلس نواب الشعب بإنشاء صندوق للزكاة . و هذا السقوط هو الذي يضاعف خوفها من أن تكون معزولة في المجلس إلا ممن يشاركها إيديولوجيتها الدينية و يرفعون شعار رابعة. و ستكون النهضة مجبرة على التنازلات خاصة بعد المساعي الجارية في البرلمان لتكوين جبهة برلمانية من 109 نواب من قوى تختلف مع النهضة ايديولوجيا . و سيكون ذلك إيذانا بتواصل سقوط الإخوان الذي بدأ في مصر ويتهيأ في ليبيا و تأكد في سوريا و يتسع في العراق.
و يبدو المشهد السياسي في البلاد وفق هذه الفرضيات و غيرها مفتوحا على جميع الاحتمالات خاصة في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة المغاربية حاليا وأهمها ما يجري في ليبيا و نتائج الانتخابات الرئاسية في الجزائر.
خلود الساحلي