-
في غياب المحكمة الدستورية لا يد من الاحتكام إلى الحكمة و العقل
كثر الحديث و الجدل القانوني حول مسألة اليمين الدستورية للوزراء الجدد الذين تمت المصادقة عليهم في جلسة مجلس نواب الشعب منذ فترة.
و في خضم هذه القراءات المختلفة اتصلت “الوسط نيوز” برجل القانون ووزير العدل السابق الأستاذ غازي الجريبي لمعرفة قراءته حول هذه المسألة الحساسة.
و يرى الأستاذ غازي الجريبي أن الفصل 89 من الدستور بالباب الرابع و ضمن القسم الثاني منه الذي يحمل عنوان “الحكومة” وليس “تشكيل أوّل حكومة”، بمعنى أنه غير مخصص للصورة المتعلقة بتكوين أول حكومة بعد الانتخابات. ويترتب عن ذلك ما يلي:
– أن الفقرة الأولى من الفصل89 تتعلق بتركيبة الحكومة بصفة عامة، سواء تعلق الأمر بالتشكيلة التي تأتي مباشرة بعد الانتخابات أو تلك التي تتكوّن على إثر تحوير وزاري ،لأن عباراتها جاءت مطلقة ويجب أن تؤخذ على إطلاقها ولا يجوز التمييز أو التخصيص طالما لم يميز النص.
– كذلك الشأن بالنسبة للفقرة 6 والاخيرة من الفصل 89 المذكور والتي تتعلق بأداء رئيس الحكومة وأعضائها اليمين أمام رئيس الجمهورية، فإنها جاءت مطلقة ويجب أن تؤخذ على إطلاقها ولا يمكن قطّ حصرها في الحالة المتعلقة بتكوين أول حكومة بعد الانتخابات. وعلى هذا الأساس فإن الفصل 89 يتضمن بداهة أحكاما عامة (الفقرتين 1 و 6) وهي متناسقة مع عنوان القسم الثاني وأحكاما خاصة وردت بالفقرات من 2 إلى 5.
و يؤكد الأستاذ غازي الجريبي أنه لو سلمنا جدلا بخلاف ذلك واعتبرنا أن أحكام الفصل 89 من الدستور برمتها تتعلق حصرا بصورة تشكيل أول حكومة بعد الانتخابات ولا تخص مطلقا حالة التحوير الوزاري، فإن ذلك سوف يؤدي إلى وضعية شبيهة بالعبث القانوني وذلك للأسباب التالية:
– أنّ رئيس الحكومة سوف يصبح بعد تكوين أول حكومة وبمناسبة تحوير لاحق في حلّ من التقيّد بأحكام الفقرة الاولى للفصل 89 و يمكنه مثلا تكوين حكومة بكتاب دولة فقط.
– أنّ رئيس الحكومة سوف يكون في حل أيضا من التشاور مع رئيس الجمهورية عند تسمية وزيري الدفاع والخارجية بمناسبة تحوير وزاري.
– سوف تصبح الحكومة تتضمن وزراء أدوا اليمين وآخرين يباشرون دون هذا الإجراء الجوهري.
– سوف تكون الحكومة متركّبة من وزراء تمت تسميتهم بأمر رئاسي وأخرون دون تسمية، لأن إسناد الإختصاص ولئن قد يستنتج بناء على مبدأ توازي الشكليات، لكن لا يمكن أبدا استنباطه من عدم أو إسناده بصفة اعتباطية لأيّ جهة كانت. وفي هذا الصدد فإنّنا نذكّر بأنّ نظريّة الإجراءات المستحيلة تنطبق حصرا على الشّكليات الجوهرية التي تساهم في اتخاذ القرارات المنتمية إلى صنف الأعمال القانونية المركّبة، ولا تتعلق أبدا وفي أيّ حالة من الحالات بالقرار في حدّ ذاته، ويعني ذلك أنّه لا يمكن إطلاقا تجاوز أمر التسمية.
– الفصل 31 من القانون عدد46 لسنة 2018 جعل من تصريح أعضاء الحكومة بمكاسبهم شرطا للمباشرة، لكن التصريح لا يكون إلا بعد اكتساب الصفة التي لا تكتمل إلاّ بعد صدور أمر التسمية.
و حول سلطة رئيس الجمهورية يقول وزير العدل السابق أن سلطة رءيس الجمهورية في التسمية و دعوة أعضاء الحكومة لأداء اليمين هي سلطة مقيدة، إلا أنه في غياب المحكمة الدستورية المؤهلة وحدها لحسم هذه الإشكاليات، يبقى السبيل الوحيد لتخطي هذه الأزمة الدستورية هو الحوار و الاحتكام إلى الحكمة والعقل وفقا للمصلحة العليا للوطن.