
تونس – اونيفار نيوز حفلت الأيام الأخيرة بأحداث تراوح بين السياسي و الأمني.
ثلاث وقائع لافتة في ھذا المجال و ھي زيارة وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إلى تونس و إلحاحه على ان تونس و الجزائر تواجھان نفس التهديدات.
لا شك أن في تصريح الوزير الجزائري ” تصديرا ” متعمدا لأزمات الجار الشرقي و لكن ” تطابق ” المواقف التونسية مع المواقف الجزائرية إلى حد الارتھان تنجر عنه تداعيات ذات أبعاد أمنية و سياسية خاصة في ظل العلاقات الملتبسة بين الجزائر و باريس و خاصة التوتر الشديد في علاقات الجزائر و مالي .
الحدث الثاني ھو إطلاق سراح 11 مواطنا روسيا تحوم حولھم شبھات القيام بأنشطة تجسس في تونس ، شبھات مماثلة و ترتبط أيضا بالقيام بأنشطة تبشيرية كانت وراء احتجاز مواطن أمريكي قبل أن يتم إطلاق سراحه .
و حين نضيف إلى ذلك ملف الھجرة و أفارقة جنوب الصحراء المتوافدين على تونس و ما عاشه التونسيون بعد 14 جانفي 2011 من ارھاب و من ملف جبل الشعانبي الغامض ، ھذا دون أن ننسى الغموض الذي رافق ما سمته الدوائر الفرنسية ” ثورة الياسمين” ندرك دون عناء أن تونس ھي حاليا أرض صراعات و مخططات دولية .
و ھذا المعطى ليس جديدا على تونس التي تملك إلى جانب الموقع خصائص تجعلھا مھمة استراتيجيا .
يضاف إلى ذلك أن الانسانية تشھد منذ احتلال العراق سنة 2003 عودة إلى مرحلة الاستعمار المباشر و الصريح و الذي تحول مع دونالد ترامب إلى سيف يھدد رقاب الجميع .
في الصراع على تونس مخططات و ” مؤامرات ” كواليس ” لا تعنينا و لا ندعي معرفتھا و لكن ھناك دول معنية بتونس و ھي دول معلومة و يمكن التوقف عند علاقتھا بتونس من زاوية التأثر و التأثير السياسي.
الجزائر : فقدت العلاقات بين تونس و الجزائر في السنوات الأخيرة جوانبھا الاقتصادية و السياسية بعد أن ” نجح ” الجانب الجزائري في تحقيق ” حلم ” راود نظامھ السياسي منذ ستينيات القرن الماضي و ھو تحويل تونس إلى امتداد للجزائر .
يكفي التذكير بدور الجزائر في حوادث قفصة سنة 1981 و في تسھيل ازاحة الحبيب بورقيبة من الحكم سنة 1987 للتأكد من ذلك .
يحسب للحبيب بورقيبة و لخلفه زين العابدين بن علي أنھما احسنا ادارة العلاقات مع الجار الشرقي فحافظا على حق تونس في الإختيار و المناورة .
حاليا أصبح ” الجشع ” الجزائري أكثر وضوحا خاصة في ملف المياه و في استبعاد تونس من مشروع جديد لنقل الغاز الجزائري إلى ايطاليا .
تضاف إلى ذلك شكوك تدعمھا معطيات حول دور جزائري في إغراق تونس بمھاجرين غير نظاميين.
ليبيا : في العقود الماضية لم تستقر العلاقات بين تونس و طرابلس إلا زمن الرئيس زين العابدين بن علي خاصة و ان إعلان الوحدة التي ولدت ميتة بين البلدين سنة 1974 دفع نظام معمر القذافي إلى القيام بأعمال ” انتقامية ” ضد تونس تمثلت في عملية قفصة سنة 1978 و عمليات طرد جماعي للعمال التونسيين في ثلاث مناسبات و ھو ما اربك الوضع الاجتماعي .
حاليا تشكو ليبيا من اضطراب الوضع السياسي و الامني و من ھيمنة الميليشيات علاوة على دوران التيار المتنفذ في طرابلس في فلك تركيا و ھو ما يمثل عامل عدم اطمئنان لتونس .
المغرب : واضح ان العلاقات الديبلوماسية بين تونس و الرباط ھي حاليا في أدنى مستوياتھا خاصة بعد أن ” ورط ” الجزائريون تونس في استقبال وفد يمثل الصحراء الغربية سنة 2023 و ھو ما لم يقبله الجانب المغربي الذي ” استاء” أيضا من عدم تجاوب تونس مع إشارات مغربية لفتح صفحة جديدة يبدو أن تونس لا ترغب فيھا حاليا لانھا أقرب للجزائر.
المغرب منافس اقتصادي لتونس في المجال الاقتصادي و من خلال انخراطه في التطبيع العلني مع اسرائيل له نفاذ إلى مواقع قرار و تأثير في واشنطن و أوروبا يمكن أن يوظفھا للضغط على بلادنا.
مصر : العلاقات بين تونس و مصر عاشت فترات توتر زمن الرئيس الحبيب بورقيبة سواء مع جمال عبد الناصر أو مع أنور السادات لتشھد في عھد زين العابدين بن علي و حسني مبارك استقرارا لا يخلو من ” تنافس صامت ” في المجال الديبلوماسي .
يلتقي البلدان حاليا في الأولوية التي يمنحانھا للحد من التغلغل التركي و في مواجھة الاسلام السياسي .
إيران : لاعب ووافد جديد على المشھد الجيو- استراتيجي لتونس و حضوره يزداد اھمية وخطورة خاصة في الفترة الاخيرة اذ يثير الكثير من الغرابة و ردود الفعل الرافضة خاصة في ظل توتر علاقات إيران مع عديد الدول و حضور ملف التشيع و حسابات ذات طابع أمني.
الاستفادة من علاقات متطورة مع ايران تبدو منعدمة خاصة في ظل المستجدات الأخيرة التي تجعل النظام الإيراني في وضعية البحث عن النجاة أكثر من ان يكون في وضعية القدرة على التأثير.
فرنسا : لاعب أساسي و محدد في المشھد التونسي بفضل حضور واضح في المجالين الثقافي و الاقتصادي فهي الشريك الأول لتونس لا ترغب اطلاقا في أن تبتعد تونس عنها و عن مجال تأثيرھا سواء لأن تقترب أكثر من واشنطن أو من موسكو وبكين. مسار التماھي الحالي بين تونس و الجزائر لا يمكن أن تنظر له باريس بعين الارتياح .
ايطاليا : يزداد حضورھا في تونس و ھي التي تعتبر انھا صاحبة دور تاريخي في تون س و تنظر لتونس كحديقة خلفية لأمن إيطاليا. أكبر التحولات السياسية التي شھدتھا تونس بعد الاستقلال كانت بضوء أخضر ايطالي .
ايطاليا التي تخوض حرب نفوذ في الفضاء الاوروبي ضد برلين و باريس و التي كانت دائما أقرب لواشنطن معنية بتونس و بعلاقات متميزة و شبھ حصرية معھا.
بريطانيا : اللاعب الصامت و شديد التأثير في كواليس السياسة الدولية معني بما يجري في تونس و يزداد انخراطا في الشأن التونسي خاصة في مد جسور التواصل مع النخب العلمية و الاقتصادية .
بريطانيا التي احتضنت قيادات حركة النھضة تملك خيوط تأثير في ما قد تعيشھ تونس من احداث.
تركيا : احلام اردوغان العثمانية و دوره في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين منحته امتدادا في الوطن العربي خاصة و انھ كان عرابا بارزا لما سمي الربيع العربي .
ساعدت حركة النھضة اردوغان على التدخل السافر في الشأن التونسي و على وضع اليد على الاقتصاد التونسي .
تقلص النفوذ التركي في تونس بشكل كبير و لكن ذلك لا يعني أن المؤامرات التركية على تونس قد انتھت خاصة و ان اردوغان يملك ورقتين يمكنه توظيفھما و ھما ادواته في طرابلس و الارھابيين التونسيين الموجودين فى سوريا.
روسيا : تحاول روسيا استغلال فتور العلاقات بين تونس و واشنطن لتحقيق اختراق لافت في العلاقة بين تونس و موسكو .
العلاقات الاقتصادية و السياسية عادية و لكن يبدو أن موسكو لا يمكن أن تقدم الكثير لتونس و ھي التي استنزفھا المستنقع الاوكراني يضاف إلى ذلك أن سوابق وقائع الجوسسة السوفياتية ثم الروسية على تونس تمثل عامل كبح لھذخ العلاقة.
الصين : أكبر مستفيد اقتصاديا في السنوات الأخيرة مع تونس سواء في مستوى التبادل التجاري أو انجاز المشاريع رغم وجود انزعاج أوروبي و أمريكي من ذلك .
العلاقات الاقتصادية مرشحة للتطور رغم تحفظات حتى من داخل الإدارة التونسية خشية أن تضع الصين يدھا على الاقتصاد التونسي. سياسيا قد لا تكون ھناك تداعيات في المدى القصير خاصة و ان الصين تعتمد أسلوب التقدم الناعم و البطيء في ساحة التأثير الدولي.
الولايات المتحدة الأمريكية : لاعب أساسي في المشھد العالمي و لا يمكن لتونس أن تكون بعيدة عن ھذا التأثير خاصة و أن العلاقة بين البلدين تاريخية .
واضح أن ترامب يريد ان يغير الكثير من الاشياء في العالم و ان رغباته لا تتحول دائما إلى وقائع و واضح أيضا أن له موقفا من مستجدات الوضع التونسي و ھو ما تأكد في اختيار السفير الأمريكي الجديد بيل بزي .
العلاقات على المستوى الامني و العسكري ما انفكت تتطور بين الجانبين و ھذا ستكون له بكل تأكيد تداعيته.
قطر : تتدخل في الشأن التونسي بتعليمات واضحة من واشنطن لأنھا تمول مشروع الفوضى الخلاقة . دعمت النھضة و حاولت وضع اليد على الاقتصاد التونسي.
تراھن لحد الآن على لعب دور في المشھد السياسي التونسي و مساعدة حركة النھضة على استعادة مكانھا.
الامارات العربية المتحدة : بعد محاولة التأثير زمن الباجي قائد السبسي خاصة تراجع دورھا في الفترة الأخيرة بعد أن فقدت امتداداتھا في تونس دورھا و في ظل أزمة صامتة مع الحكومة التونسية.
المملكة العربية السعودية: يتجاھل البعض ان الاھتمام السعودي بتونس يعود إلى مطلع القرن العشرين مع سعي دولة ” آل سعود ” لنشر الوھابية و ان المملكة لعبت دورا في دعم الحركة الوطنية . الرياض لا تتدخل بشكل سافر في مجرى الأحداث في تونس و لكنھا حريصة على بقاء تونس في محور الاعتدال و على استقرارھا خاصة و ان بلادنا تحتضن مؤسسة مھمة بالنسبة للمملكة العربية السعودية و ھي مجلس وزراء الداخلية العرب.
اسرائيل : موقع تونس و ديناميكية نخبھا و انخراطھا باشكال مختلفة في المسألة الفلسطينية يجعلھا محل اھتمام اسرائيل خاصة و ان سياسات الكيان تقوم على التطبيع مع الدول العربية .و لكن كل المحاولات الاسرائيلية تبقى محدودة في ما يتعلق بتحقيق اختراق علني و مؤثر مع ضرورة عدم الاستھانة بمؤشرات وجود درجات من التبادل الاقتصادي و الثقافي.
المانيا : تحاول منذ ان استعادت ” وحدتھا الترابية ” لعب دور ” ثقافي ” في تونس من خلال عدد من الھياكل و المؤسسات التي ترصد مبالغ مالية ھامة لانجاز برامج ” تكوين ” في التربية و نشر اللغة الالمانية و ايضا الفلاحة.
بعد 14 جانفي تكاثرت الجمعيات و المنظمات الألمانية الناشطة في تونس و لافت انھا تمثل إيديولوجيات متناقضة و لكن ما بعد حرب غزة كشف انھا تلتقي في توجھات لسياسية و من اھمھا رفض نقد الكيان الصهيوني و ھو ما يضرب فكرة استقلاليتھا في العمق.
الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس و المانيا حاليا اثرت على نسق التبادل التجاري و الاقتصادي بين البلدين.