- صمت متعمّد من الهايكا عن الأوضاع في التلفزة التونسية و هفواتها المتكرّرة
يتسائل عدد كبير من المتابعين للشأن الإعلامي في تونس عن سبب صمت هيئة الإتصال السمعي البصري المعروفة اختصارا بالهايكا عن هفوات البث التي ارتكبتها التلفزة التونسية في شهر رمضان الذي انتهى و خاصة بث ذلك البرنامج الديني الذي مدح الرئيس السابق بن علي و زوجته.
و قد تكون الهايكا حسب البعض من هؤلاء المتسائلين اعتبرت أن ما حصل هفوة غير مقصودة من المرفق العمومي التلفزي رغم أن الرسالة التي قد تختفي وراء هذا البث يمكن ان تكون مريبة بعد موجة الحنين الى بن علي في بعض الأوساط و رجوع عدد من التجمعيين إلى الواجهة و منهم محمد الأسعد الداهش رئيس مؤسة التلفزة التونسية الذي كان رئيس الشعبة المهنية للتلفزة في نوفمبر 2010 بل كان هو مؤسس هذه الشعبة وهي الأولى في مؤسسة التلفزة بعد فصلها عن الإذاعة.
و لكن التحقيق التلفزي ذهب باتجاه الهفوة غير المقصودة و لكنها فادحة و يساند كثيرون هذا القرار و يعتبرون الهفوة لم تكن تحمل خلفيات سياسية و لا دوافع وضع العصا في العجلة عرقلة لعمل الرئيس المدير العام كما حاول البعض الإيهام بذلك، و انّما هي تنصهر في إطار فوضى التسيير التي تعيشها المؤسسة منذ أشهر.
و مهما يكن تبرير الهايكا الذي لم يعلن رسميا و إنما يظل من باب الفرضيات فإن هذا التساءل يلقى سنده في مضمون المواقف السابقة لهذه الهيئة التعديلية تجاه المرفق العمومي التلفزي لما كانت جل الجهات النقابية خصوصا تهاجم المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة و تحمله مسؤولية الوضع في التلفزة الذي وصفوه بالمتردي نتيجة التدخل في شؤونه.
و بالعودة الى سنوات خلت في مسار علاقة الهايكا بالمرفق العمومي السمعي البصري برمته نسجل أن الهيئة اختلفت مع مستشار الإعلام في رئاسة الحكومة زمن المهدي جمعة و هو الشخص ذاته الذي يتولى المهمة مع يوسف الشاهد حاليا حول طريقة الترشيح لمنصب رئيس مدير عام مؤسسة التلفزة سنة 2014
60 مترشحا…
و بعد جدل كبير تم الاتفاق على فتح باب الترشح لكل من يأنس في نفسه الكفاءة و سارت الأمور على هذا النحو وتلقت رئاسة الحكومة نحو ستين ترشحا عرضتها على الهايكا التي اختارت بإرادتها و دون ضغط في ماي 2014 عبد الستار الساحلي مسؤولا من وزارة المالية ليكون رئيسا مديرا عاما للتلفزة و هو لا يمت للاعلام بصلة و إنما هو متخصص في التصرف الإداري و المالي.
وربما يرجع هذا الإختيار إلى حاجة التلفزة في تلك الفترة إلى متصرف جيد لإصلاح وضعيتها المالية و لا تزال هذه الحاجة قائمة حتى اليوم في نظر المتابعين اعتبارا لحجم مشاكل التلفزة و استحالة حلها بالشعارات الفضفاضة و البرامج النظرية غير ان نقابة الإعلام في الإتحاد العام التونسي للشغل تفطنت إلى كون المعني بالأمر كان رئيسا لشعبة المالية التابعة إلى التجمع الدستوري الديمقراطي زمن بن علي.
فهاجت الهايكا و ماجت و اتهمت الحكومة بتسريب ملف مشبوه و لكن الهايكا اليوم و أمام الملئ تقبل بمنح الرأي المطابق لرئيس المؤسسة الحالي محمد الأسعد الداهش الذي كان رئيس الشعبة المهنية للتلفزة و مؤسسها، ما يشكل تناقضا صارخا مع موقفها السابق من مسألة استقلالية صاحب المنصب و تفاعلت الحكومة ايجابيا مع موقف الهايكا في تلك الفترة ونزعت عن نفسها قرينة التعمد في تمرير ملف المترشح التجمعي و أكّدت أنّه هو الذي قدّم معطيات منقوصة و مغلوطة و اتفق الطرفان على تعيين الأستاذ الجامعي مصطفى باللطيف رئيسا مديرا عاما للتلفزة دون الخضوع إلى أي مناظرة أو اختبار على أساس أن الرجل معروف بدوره في “التشريع لحرية الإعلام” من خلال مساهماته خصوصا في إعداد المرسومين 115 و 116 و عدد من كراسات الشروط المتعلقة بمنح تراخيص انشاء قنوات اذاعية و تلفزية.
و لقي مساندة من الجميع و خصوصا نقابة الصحفيين و عدد ممن يعتبرون أنفسهم في دائرة النضال من أجل حرية الإعلام و يتبنون نظريات واردة مما يسمونها التجارب المقارنة.
رأس الراعي… و الإقالة الفورية…!!؟؟
و لكن الحكومة أقالت مصطفى بالطيف بعد تمرير رأس الراعي الشهيد مبروك السلطاني في نشرة الأخبار في التلفزة و لئن كانت تلك هفوة مهنية فادحة من المسؤولين عن الأخبار فان الحكومة حملتها للرئيس المدير العام الذي قد يكون طبق تحت الضغط مطلب “فصل التحرير عن الإدارة” إضافة إلى عدم قدرته على تسيير المؤسسة لافتقاره التجربة في الميدان و استماتت الهايكا و مصطفى باللطيف في رفضهما للإقالة دون الرجوع إلى الهيئة في اطار ما اعتبراه توازي الإجراءات و لكن الحكومة تمسكت بموقفها و عينت رشاد يونس رئيسا للمؤسسة بالنيابة.
و بعد هدوء العاصفة عادت الهايكا تطالب بسد الشغور في المؤسسة و تعيين رئيس مدير عام غير مؤقت باعتماد الراي المطابق و انهاء النيابة و تحت ضغط الهايكا و فروعها غير الرسمية في نقابة الصحفيين و عدد من المؤسسات الإعلامية العمومية قدمت الحكومة مرشحا وحيدا هو الياس الغربي و الذي خضع الى اختبار صوري لإصدار الرأي المطابق من الهايكا.
و كان المرشح الحكومي حصل على تزكية من نقابة الصحفيين التونسيين التي تحشر نفسها بصفة مستمرة في مثل هذه التعيينات وتعمل على التأثير فيها و بعد سنة تقريبا من تعيينه بديكور الرأي المطابق حصل للغربي ما حصل لمصطفى باللطيف و تمت إقالته بعد عدم بث نشرة الأخبار في شهر رمضان 2017 و غضبت الهايكا من هذه الإقالة و ساندت الغربي الذي اتهم من جهته المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة بالتدخل في شؤونه ما جعله مقيّد الأيدي لا يقدر على الإصلاح.
و لكن البعض فسر ذلك بمحاولة الغربي تبرير فشله في قيادة مؤسسة التلفزة التونسية، رغم العلم بأن الغربي تخلى عن الجهة التي رشحته و ماح كثيرا باتجاه رئاسة الجمهورية طمعا في كسب الحصانة و عينت الحكومة عبد المجيد المرايحي رئيسا للمؤسسة بالنيابة ثم أقالته وعوّضته بصفة مؤقتة بعبد الرزاق الطبيب توازيا مع منصبه رئيسا مديرا عاما للاذاعة التونسية و يعرف عن الطبيب تلقيه مساندة غير مشروطة من نقابة البغوري و الهايكا و خصوصا هشام السنوسي العضو النافذ فيها.
و تلقت الهايكا من الحكومة ثلاثة ترشيحات لإدارة التلفزة اختارت منها وبما يسمى الرأي المطابق محمد الأسعد الداهش و لم تعترض على سيرته الذاتية وصفته السابقة رئيسا لشعبة التجمع في التلفزة و اعتبر كثيرون ان الهايكا ذهبت باتجاه مرشح مسنود بعد ان وعدتها الحكومة بإصدار قانون للإتصال السمعي البصري يراعي تصورات الهيئة.
صمت… في انتظار تنفيذ الوعود…!!؟؟
و لا تزال هيئة الإتصال السمعي البصري تنتظر حتى اليوم من الحكومة تنفيذ وعودها و لذلك لم ترفع صوتها لتنتقد هفوات البث المتكررة التي حصلت في التلفزة مؤخرا و غضت البصر عنها و يرى البعض أن الهايكا مغلوبة على أمرها و مجبرة على الصمت بعد تورطها مع رئاسة الحكومة و خضوعها “للمقايضة” و أيضا بسبب وضعيتها غير القانونية و التي تجعلها تحت رحمة “المشرّع” و يتجلى موقف الهايكا الضعيف أيضا في صمتها المتعمد عن مصير مؤسسة الإذاعة التونسية حيث لم تطلب الهيئة من الحكومة مطلقا سدّ الشغور بعد قبول استقالة عبد الرزاق الطبيب و تعيين محمد الأسعد الداهش مكانه بالنيابة في بداية مارس الماضي إضافة الى منصبه الرسمي كرئيس مدير عام للتلفزة التونسية.
و كانت الهايكا قد أقامت الدنيا و لم تقعدها حتى تدفع نحو تعيين عبد الرزاق الطبيب رئيسا مديرا عاما للاذاعة خلفا لمحمد المؤدب الذي كان يشغل المنصب قبل بروز الهايكا. و صمتت الهيئة بعد تعيين عبد الرزاق الطبيب يوم 30 جوان 2014 برأي مطابق لمرشح واحد وحيد اتفق حوله في دوائر مغلقة ومظلمة النقابة الوطنية للصحفيين ممثلة في النقيب و الهايكا ممثلة في هشام السنوسي و المستشار الإعلامي للمهدي جمعة رئيس الحكومة في تلك الفترة و هو المستشار الحالي ليوسف الشاهد ، مفدي المسدّي.
و رغم هناته و تغيبه المتواصل عن العمل ظل عبد الرزاق الطبيب في منصبه أكثر من خمس سنوات متمتعا بحماية الهايكا و نقابة الصحفيين حتى تأزمت علاقته مع النقابات الأساسية في المؤسسة و طالبت بإقالته و قد استبقها بتقديم استقالته و التي كانت في الحقيقة حسب بعض العارفين بشأن المؤسسة محاولة للضغط على الحكومة بالتنسيق مع الهايكا و تدبير من الجهات الموالية لها حتى ترفع يدها عن الإذاعة و تزيد من ميزانيتها.
و انخرط في “اللعبة” بعض المديرين في الاذاعات المركزية و الجهوية الذين قدموا بدورهم استقالات”مساندة” لعبد الرزاق الطبيب ، غير ان الحكومة تفطنت للفخ و قبلت استقالة الرئيس المدير العام للاذاعة و أذنت بتغيير المديرين المستقيلين.
و في ظل كل هذا الذي يجرى حاليا تظل الهايكا في صمت مريب ينصهر دائما في اطار حرصها على الحفاظ على علاقات جيدة مع الحكومة بعد انتهاء التوتر ترقبا لتعديل مشروع قانون الاتصال السمعي البصري من ناحية و من جهة أخرى و هذا هو العنصر الأساسي رغبة من الهايكا في استمرار عملها و تواصل عضوية عناصرها التي انتهى وجود اغلبها في 3 ماي 2019 و منهم الرئيس و العضو الحاكم بأحكامه هشام السنوسي و كذلك راضية السعيدي و الحبيب بلعيد فهؤلاء لم يعد لهم أي وجود قانوني.
و بالتالي يمكن اعتبار كل قرارات مجلس الهيئة الصادرة بعد 3 ماي 2019 باطلة نتيجة ذلك و يعتقد عارفون بشأن قطاع الإعلام في تونس أن الهايكا ستواصل الصمت في اطار المناورة حتى تضمن وجودها و مصالح أعضائها المتمثلة في راتب بثلاثة آلاف و خمسمائة دينار و سيارات ادارية و كمية من الوقود 200ب لتر شهريا.
الترسيم…
و قد تكون راضية السعيدي عضوة الهايكا قد تم ترسيمها في مؤسسة التلفزة او الإذاعة التونسية في انتظار إيجاد حل لهشام السنوسي الذي سيحال على البطالة في صورة انتهاء عضويته في الهايكا. ولذلك فان الهايكا ستستمر في خرق القانون و الذي يبدو واضحا وضوح الشمس ولكن أطرافا عديدة فاعلة تتستر عليها خدمة لمصالحها.
و ما استفاقة الهايكا ضد قناة نسمة في نظر البعض في هذا الظرف بالذات الا نهر من بحر من هذه المصالح, أما الحكومة فهي الرابح الأكبر من الوضع حيث هي تستغل هشاشة الوضعية القانونية للهايكا لتجعلها “مطيعة” .
و للتذكير فإن وجود أغلب أعضاء الهايكا الحاليين كان نتيجة توافق في عهد الترويكا السابقة و كان رئيس الهيئة من اختيار المرزوقي بتأثير من مستشاره السابق عزيز كريشان، و السنوسي بتاثير من نقابة الصحفيين ،و السعيدي بتأثير من النهضة باعتبار ان شقيقها قيادي بارز في هذا الحزب .اما الحبيب بلعيد فلتبرير وجود متخصص في الاعلام السمعي البصري و لا تعرف له مواقف واضحة رغم تجربته الثرية في الميدان.
و قد شهدت الهايكا موجة من الإستقالات أغلبها كان نتيجة عدم حياد الهيئة.