أعاد موضوع وفاة فتاة 18 ربيعا على يد دجال برتبة “راقي شرعي” اثناء تلقيها حصة العلاج عبر الخنق والضم واستعمال بعض العنف لاخراج “الجن الغاضب” الذي يسكن جسدها حكاية الجهل المقدس الذي ينتصر علينا في حضرة النجاحات الطبية و يباغتنا بشطحاته.
فهذه الحادثة على خطورتها ليست معزولة حيث سبق و ان لقي كهل حتفه في القيروان اثناء تلقيه لحصة الرقية الشرعية و تكرر السيناريو في صفاقس بنفس الطريقة و لنفس السبب – الاضطرابات النفسية – حيث لازال السواد الأعظم في تونس لا يؤمن بالطب النفسي-هذا دون الخوض في حالات التحرش و الاغتصابات اثناء حصص العلاج بالرقية الشرعية فالقضايا المعروضة لدى القضاء شاهد على ذلك.
الغريب و ان جل هذه الجرائم كان التوجه فيها الى عالم “ملكوت الجهل” بمباركة من العائلة بحثا عن “لدائن ربانية” للشفاء و النتيجة اما “الخسارة المادية او الموت”.
الأكيد اننا في تونس بعد معضلة الامن الموازي والاقتصاد الموازي اليوم اصبحنا نعيش ظاهرة الطب الموازي حيث يقدم بعض المشعوذين انفسهم على انهم متخصصون في علاج الامراض المستعصية التي عجز عنها الطب و كل العلوم و هم يحتلون شيئا فشيئا مكانا في النفوس و العقول خاصة بعد شبه انهيار المنظومة الصحية في تونس و سيطرة الجهل المقدس الذي يضعون له عنوان “الطب النبوي” الذي يشخص الحالة عبر “الية الدقازة”. و الدليل على ذلك ياتينا بالأرقام حيث كشفت عدة دراسات أن نسب اقبال التونسيين على المشعوذين في ارتفاع مطرد و كشفت الاحصائيات أن العالم العربي ينفق سنويا أكثر من خمسة مليارات دولار على أعمال الدجل و الشعوذة، و أن الإحصائيات أشارت إلى أن نحو 70 بالمائة من المترددين على الدجالين المشعوذين من النساء.
و شر البلية ما يضحك ان هؤلاء الدجالين يضعون ساقا في الطب البديل الذي بدات تتصاعد أسهمه و ساقا في الماورائيات خاصة و ان “السحر والتابعة” تبقى من المداخل الهامة لابتزاز الحرفاء اذا ما ركد سوق الامراض المستعصية و النوبات العصبية الخارجة عن السيطرة. و مايثير الدهشة ان هؤلاء يستعملون أدوات الجيل الرابع الانترنت و “الوات ساب” و “الانستغرام” الحلال للقيام بالدعاية اللازمة لماثرهم و كلنا يذكر “دجال بومهل” الذي مكنته وفرة أموال الضحك على الذقون من القيام بدعاية عبر مجلة المانية يدعي خلالها انه تمكن بفضل “الرقية الشرعية” من شفاء امراة تعاني ورما خطيرا منعها من الانجاب بفضل “براده” الذي له فيه مارب أخرى و الحال و انها دعاية طمعا في العالمية عله يجد ضالته في “مكروب” ثري يمارس عليه فنون “اللصوصية” بحجة العلاج.
ما يلفت الانتباه كذلك ان في تونس مدعيي “النبوات الطبية” و المعالجين بالرقية الشرعية ينتصبون امام اعين الدولة ويضعون يافطاتهم و هم يتناسلون في كل ربوع تونس بما في ذلك الأماكن الراقية و تجرؤوا على التظاهر في قلب العاصمة اعتراضا منهم على قانون المساواة في الإرث او بمناسبة عيد الشغل لانهم يعتقدون ان ما يقومون به مهنة يضعون بها مرفق عام صحي من نوع خاص على ذمة المرضى النفسانيين. و اكثر من ذلك تباع مؤلفات حول الرقية الشرعية في العديد من الأماكن دون ان تتحرك سواكن هياكل الدولة للضرب على ايادي العابثين.
ان وفاة الفتاة ب”العوسجاء” – احدى معاقل النهضة بامتياز-على يد دجال يدعي في العلم معرفة هي تجسيم لوضعية تونس باسرها حيث يقتلنا الجهل في كل لحظة على ايادي مشعوذين وضعوا سمومهم في كل مؤسسات الدولة في الاقتصاد و في الصحة و اليوم امننا الغذائي و القومي و الصحي مهدد بسبب ارتجالاتهم.
فان كانت “البورقيبية عقلية” تصدت للمخازنية و مشايخ الزيتونة المنغلقين الذين كانوا يقتاتون على ظهر تجهيل الشعب التونسي فالنهضة عقلية كذلك تسعى للبقاء و التمدد عبر “عولمة التجهيل” و الممارسات القروسطية و اليوم الحرب على اشدها بين العقليتين أي بين الفكر الظلامي و الرجعي و الفكر التنويري.
يبقى املنا في كلمات الزعيم الراحل j’ai fait quelque chose de solide qui se tiendra فالاكيد ان الوعي بتحديات الصراع هي بداية الخروج من “التابوت” كما يقول المفكر “هاشم صالح”.
أسماء و هاجر