-
كلمة قصيرة في المقبرة الأمريكية تلخص جوهر و خطورة الزيارة
رغم أهمية زيارة وزير الدفاع الأمريكي مارك اسبر لم تهتم معظم مكونات المشهد السياسي بهذه الزيارة وابعادها وربما مخاطرها على سيادة القرار الوطني ورهن البلاد في التحالفات الأمريكية ومصالحها.
فبعد الاتفاق الغامض الذي وقعه محسن مرزوق عندما كان مستشارا سياسيا للرئيس الباجي قايد السبسي وبحضوره في واشنطن سنة 2015 وقع وزير الدفاع التونسي ابراهيم البلتاجي مع نظيره الأمريكي اسبر اتفاقية تعاون مدتها عشر سنوات تتولى بموجبها الولايات المتحدة الأمريكية دعم تونس على المستوى الأمني والعسكري لمجابهة الأرهاب وحماية حدودها.
السؤال الذي تطرحه هذه الاتفاقية هو توقيتها ومدتها فالدعم الأمريكي لتونس في المستوى العسكري ليس جديدا وتحكمها ضوابط لم تتغير تقريبا منذ بداية الأستقلال واساسها تمكين ضباط الجيش التونسي والحرس من دورات تدريبية وتقديم منح لاقتناء تجهيزات لتعزيز قدرات الجيش والحرس وهذه الاتفاقية لا تختص بها تونس بل نجدها مع دول أخرى مثل مصر التي تربطها اتفاقيات اكبر مع الإدارة الأمريكية في المستوى العسكري.
البيان الذي نشرته رئاسة الجمهورية في خصوص هذه الاتفاقية وفحوى لقاء الرئيس قيس سعيد مع وزير الدفاع الأمريكي تحدث عن الرؤية التونسية والأمريكية للأزمة الليبية وضرورة إيجاد مخرج سياسي ليبي ليبي وادانة التدخل الأجنبي في ليبيا وكلها مصطلحات عامة وليست جديدة ويكاد يكون البيان نفسه منذ تولي الباجي قايد السبسي الحكم لكن اهم ما في زيارة وزير الدفاع هي الكلمة القصيرة التي ألقاها في المقبرة الأمريكية في قرطاج والتي جاءت فيها إشارة إلى تنامي النفوذ الروسي والصيني في المنطقة!
فهذه الكلمة قد تلخص جوهر هذه الزيارة فالولايات المتحدة الأمريكية تعلم أن المعركة في ليبيا تتجه نحو الحسم في غير صالح حليفها الأساسي الأسلام السياسي الذي يمثله للأخوان وحليفهم فايز السراج وداعميه قطر وتركيا في حين يحقق عقيلة صالح رئيس مجلس النواب صعودا متزايدا في شعبيته وهو المدعوم من روسيا ومصر والصين وفي حال انتهت المعركة وهو المتوقع قريبا ستكون روسيا والصين الأكثر حضورا في ليبيا في صفقات إعادة الأعمار وتجهيز الجيش الليبي الذي له تاريخ طويل مع السلاح الروسي ولأن الجزائر تملك علاقات خاصة مع روسيا والصين فلم يبق أمام الإدارة الأمريكية الا تونس لتكون موطئ قدم لها في شمال أفريقيا تكون مدخلا لكامل إفريقيا الاي تعاظم فيها النفوذ الصيني.
لهذا نرجو ان لا تكون هذه الزيارة وهذا الاتفاق مقدمة او غطاء لما هو أخطر على استقلالية قرارنا وإن كان الجميع يعلم أن أزاحة بن علي بتلك الطريقة وفرض خارطة طريق روج لها الثورجيون لتتوج بصعود حركة النهضة وهيمنتها على البلاد لم تكن إلا مقدمة لكل ما يحدث منذ عشر سنوات. ليس في تونس فقط بل في المنطقة عموما ويبدو ان الخارطة مازالت لم تكتمل بعد.