
تونس -أونيفار نيوز-تشبه السياسة في بعض جوانبھا الرياضيات لان بعض تحولاتھا الكبرى تفرض ما يشبه المسلمات التي يتعين التفاعل معھا دون أن يعني ذلك قبولھا على المستوى النفسي. و حاليا تشھد العلاقات الدولية حالة تفرد أمريكي بالقرار يكفي للدلالة عليه التوقف عند حرب الرسوم الجمركية التي فرضھا ترامب على الجميع إلى جانب طريقته الأحادية في التعاطي مع معضلات السياسة الدولية و تقديم حلول لھا . تمشي دونالد ترامب مدان أخلاقيا و لكنه” منتج ” ضمن منظومة ” السياسة الواقعية ” لانه يكَرِّس الأحادية القطبية و يقلص ھامش المناورة أمام ” القوى الصاعدة” . و يبدو واضحا أن منطقة شمال إفريقيا معنية بتحولات تفرضھا الرؤية الأمريكية الجديدة و ھو ما اكدته مؤشرات برزت خاصة من خلال الزيارة المفاجئة و القصيرة التي تؤديها رئيسة الوزراء الايطالية ميلوني اليوم الى تونس.
زيارة تاتي مباشرة بعد القمة الهامة الايطالية – الجزائرية
الاسبوع الماضي، و كذلك بعد الزيارة الماكوكية / الشاملة التي اداها موخرا كبير مستشاري دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط و شمال إفريقيا مسعود بولس . مبعوث ترامب ھو شخصية محورية في منظومة دونالد ترامب لجھة المھام التي يتولاھا و خاصة لجھة علاقات المصاھرة التي تربطه بساكن البيت الأبيض الذي لا يؤمن إلا بذاته المتورمة و بعائلتھ. يضاف إلى ذلك جولة مسعود بولس سبقتھا مشاورات مكثفة مع وزراء خارجية قطر و المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة و شملت كل دول المنطقة .و ما يلفت الانتباھ و يطرح الاسئلة أن المبعوث الامريكي قطعھا بزيارة خاطفة إلى باريس التي تعارض في العلن العديد من جوانب السياسة الامريكية و لكنھا لا تستطيع قطع حبل الانتماء للحلف الأطلسي و لا ” الحفاظ ” على ” مصالحھا ” في شمال إفريقيا دون تنسيق مع واشنطن. كل ھذھ الاعتبارات من المھم أن تحضر عند محاولة قراءة ” الترتيبات ” التي ستعقب ھذھ الجولة / المنعرج. مبعوث ترامب كان حاملا لرسالتين العلن و ھما ما ھي ” الغنيمة ” التجارية و الاقتصادية التي سيعود بھا من كل دولة و الترويج لشراكة امريكية مع دول المنطقة تعوض المنح و المساعدات بمشاريع تفيد الطرفين . تقريبا كانت الحصيلة في مستوى تطلعات المبعوث الامريكي و ربما أكثر إلا في تونس حيث خرج بيد فارغة و أخرى لا شيء فيھا .بل أن الرئيس قيس سعيد اختار اعتماد أسلوب في استقبال ” الضيف الأمريكي ” كاد أن يتجاوز فيھ الإحراج إلى حدود الاھانة الديبلوماسية و كان جوابھ واضحا في أن تونس اختارت طريقھا و شركائھا و ھو ما يعني بوضوح إغلاق الباب أمام ” الشراكة الأمريكية ” و ما تفرضھ من تقليص التعاون مع منافسي الولايات المتحدة الأمريكية على النفوذ في إفريقيا و ھم ايران و الصين و روسيا. الموقف التونسي كان يمكن أن يكون منتجا لو سايرھ موقف مماثل من الجار / الحليف الجزائر خاصة و أن النظام الجزائري ” يقتات” في مستوى كسب الشعبية و الشرعية من خطاب مناھض للاستعمار و الامبريالية . لكن يبدو أن ” الجار/ الحليف ” اختار أن يترك حليفھ التونسي في وضعية ” تسلل ” لاختلاف واضح من الجارين من زيارة مسعود بولس. الجزائر، ممثلة في رئيسھا عبد المجيد تبون استبق الزيارة بتصريحات تنتقد سياسات روسيا في افريقيا و خاصة على حدود الجزائر الجنوبية و تتجنب توجيھ أدنى انتقاد لحرب الرسوم الجمركية التي فرضھا ترامب على الجميع و بتلويح بافاق التعاون بين الجزائر و واشنطن في جميع المجالات .استجابة كاملة لما يريدھ دونالد ترامب و ھو ما جعل مبعوثھ مسعود بولس منشرح الوجھ و مشيدا بالجزائر و دورھا. لا شك أن رغبة النظام الجزائري في فك الطوق الذي تريد بعض الدول فرضھ عليھ كان وراء ھذھ ” التنازلات” التي تمثل انخراطا في ” الترتيبات الأمريكية ” لليوم الموالي لما ” بعد غزة” . لا شك أن تقييم ھذھ ” التنازلات ” ھو شأن جزائري صرف و لكن أليس من واجبنا الإشارة إلى أن تداعياتھا على تونس مؤكدة لأنھا أبرزت شرخا في التماسك الظاھري لمحور تونس- الجزائر .شرخ يمكن أن تتسرب منھ عدة تحولات و تقلبات خاصة و أنھ يؤثر على علاقات تونس مع دول الجوار و الدول الفاعلة و انھ كشف شيئا من الفتور في علاقة النظامين التونسي و الجزائري تجلى في عدم تهنئة قيس سعيد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بمناسبة عيد الاستقلال يوم 5 جويلية و ھو رد عليھ عبد المجيد تبون الذي تجاھل عيد الجمھورية التونسية يوم 25 جويلية الجاري