نزل خبر إنهاء مهام السفير المنصف البعتي المندوب الدائم لتونس لدى منظمة الأمم المتحدة بنيويورك على المتابعين للشأن الدبلوماسي الوطني و الدولي نزول الصاعقة خاصة في هذا الظرف بالذات الذي تجري فيه مشاورات بمجلس الأمن الدولي الذي أصبحت تونس عضوا غير دائم فيه حول “صفقة القرن”.
أولا جاءت الإقالة في شكلها مغايرة للأعراف والتقاليد فقد وقعت دعوة السفير للعودة إلى تونس للتشاور وهو في الأعراف الدبلوماسية ليس دليلا على إقالة السفير بل على وجود أزمة مع الطرف المقابل.
أما إنهاء المهام فهو يتم في السرية المطلقةعبر برقية توجهها وزارة الخارجية في الغرض وهذه الأخيرة ليست مطالبة بالكشف عن الأسباب وفي المدة الأخيرة تم إنهاء مهام سفير تونس بباريس بهذه الطريقة دون أن يحدث ذلك أي لغط.
هل كان من الضروري أن تنشر وكالة الأنباء الرسمية وات استنادا إلى “مصدر” من رئاسة الجمهورية لم تكلف نفسها عناء توصيفه خبرا تقول فيه إن اسباب انهاء مهام البعتي تعود الى “غياب التنسيق و التشاور بينه و بين وزارة الخارجية من جهة و ممثلي الدول العربية و الاسلامية بالمنتظم الاممي من جهة ثانية”.
و هل كان من الضروري كذلك أن تبث وزارة الخارجية بيانا توضيحيا ت زاد الطين بلة إذ جاء فيه أنّ قرار إعفاء سفير تونس المندوب الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة بنيويورك، يعود لاعتبارات مهنية بحتة تتعلق بضعف الأداء وغياب التنسيق و التفاعل مع الوزارة في مسائل هامة مطروحة للبحث في المنتظم الأممي.
هل يمكن حقيقة أن يكون الأمر كذلك، قطعا لا فكل من يعرف المنصف البعتي بل و كل من يعرف الإطارات العليا للدبلوماسية التونسية لا يمكن له أن يقب مثل هذا الكلام. أولا المنصف البعتي من أفضل الدبلوماسيين في الحقل المتعدد الأطراف و هو يحذق أكثر من غيره طرق العمل في هذا المجال المعقد وقد تم اختياره على هذه القاعدة و لا يمكن ان يصدق أحد أن أداءه يمكن أن يكون ضعيفا كما تدعي الوزارة أو أن يفوت ضرورة التنسيق والتشاور مع وزارة الخارجية و مع ممثلي الدول العربية و الإسلامية في المنتظم الأممي كما يدعي المصدر “المجهول” في رئاسة الجمهورية.
أعتقد جازما أن إنهاء مهام المندوب الدائم في الأمم المتحدة جاء بضغط أمريكي بالنظر للتحرك الذي أبداه في خصوص مشروع قرار معروض على مجلس الأمن لرفض صفقة القرن.
تونس بوصفها العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن يعود إليها تقديم المشروع الذي يتم إعداده بالتشاور مع الجانب الفلسطيني و قد سبق أن اجتمع وزراء الخارجية العرب في إطار الجامعة العربية كما انعقد اجتماع في إطار منظمة التعاون الإسلامي في الغرض و لا أظن أن القرار الذي سيقع تدارسه في مجلس الأمن سوف يخرج عن الثوابت الموجودة في الأدبيات التي يقوم عليها الموقف العربي الإسلامي في هذه المسالة.
قد يكون المنصف البعتي أبدى حماسة في الغرض بعدما سمع الموقف القطعي لرئيس الجمهورية قيس سعيد من القضية الفلسطينية ومن موضوع التطبيع الذي وضعه في خانة الخيانة العظمى. حتى هذا الأمر لا أعتقد أنه يمكن ان يحدث إذا عرفنا مهنية الرجل و جديته و معرفته الدقيقة بمصالح تونس العليا.
هل يدفع المنصف البعتي ثمن قربه من الوزير السابق المستقيل أو المقال-خميس الجهيناوي الذي كان انتدبه لهذه المهمة خلال عهدة الرئيس المؤقت محمد الناصر. ليس الأمر بالمستغرب في ظل “صيد الساحرات” الذي قد تصبح وزارة الخارجية مسرحا له و لذلك يجب استنكاره بأشد عبارات الاستنكار.
على أية حال الدبلوماسية لا يمكن أن تسير بالفرقعات ولا بالمزاجية بل تقوم على مبادئ وثوابت لا يمكن أن يصدق أحد أن المنصف البعتي خرج عنها.
الخوف كل الخوف أن يكون لهذا القرار المتهور تبعاته و يستنكف سفراؤنا عن التحرك بانتظار تعليمات قد لا تأتي ابدا.
رؤوف بن رجب