
تونس -أونيفار نيوز-على وقع صيحة الفزع التي أطلقها المكتب الإعلامي الحكومي لغزة في 27جوان أثر العثور على أقراص الأوكسيكودون داخل أكياس الدقيق الموزّعة عبر مراكز «المساعدات» التي يديرها جيش الاحتلال، والتي بات أهالي غزة يصفونها بمصايد الموت. كشف تقرير استقصائي أعده موقع “alsifr org”
أن هذا الاكتشاف ليس مجرد حادث مأساوي عابر، بل يُشير إلى رهان مدروس من السلطات الإسرائيليّة على خلق إدمان جماعي في غزّة، يُضيف إرهاباً كيميائياً إلى أسلحة الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى القتل والتدمير والحصار والتجويع ونشر الأوبئة.
فاستخدام المخدرات كسلاح ليس فكرة هامشية أو محض نظرية، بل يتكرّر كلّما سعت الدول القوية إلى وسائل غير تقليدية لإخضاع الشعوب. فقد كشفت طلبات قانون حرية المعلومات في العام 2002 عن وثائق صادرة عن البنتاغون تمدح فيها البنزوديازيبين المتطاير (وهو مهدئ شبيه بالفاليوم) بوصفه أداة لضبط الحشود ومحاربة الإرهاب. ناقشت هذه الوثائق الجرعات القابلة للاستخدام لتفادي مخالفة معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، كون كميّة صغيرة تفصل بين قدرة المادة على التهدئة وبين توقف التنفس.
وقد حذّر مشروع صن شاين (Sunshine Project) الذي كشف عن هذه الوثائق، من أن أي استخدام لهذه المواد في الميدان سيحوّلها من أداة ضبط إلى حرب كيميائية مقنّعة.لاسيما وان مشاريع جلسات مجلس الشيوخ كشفت عن عشرات المشاريع الفرعية التي تؤكد استباحة
التعدي على استقلاليّة الأفراد تحت ذريعة «الأمن القومي».
الثابث ان استخدام الدقيق الممزوج بالأوكسيكودون في غزة ليس اختراعاً إسرائيلياً جديداً، بل امتداداً لترسانة حرب مخدرات موثّقة تاريخياً، تستبدل مشاهد الانفجارات بانهيار مبطّن بفعل الإدمان وتفكك المجتمع.
سلاح الإدمان في يد إسرائيل
خبر تلويث السلطات الإسرائيليّة الدقيق بالأوكسيكودون ليس هو الأول الذي يربط إسرائيل باستخدام المخدّرات كسلاح، فتاريخها حافل بالعمليات السريّة والعلنيّة التي تتمحور حول المخدرات.
والدليل ما فضحه تحقيق إسرائيلي سنة 2020 عن عملية «الحلوى الإدمانية» وهو مشروع سري لوحدة 504 في مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية فخلال أواخر السبعينيات والثمانينيات، استغلّ المشروع ازدهار تجارة الحشيش والأفيون في جنوب لبنان، محوِّلاً طرق التهريب وتدفّقات الأموال غير النظامية إلى قنوات خفية لتشغيل العملاء، وتهريب المعلومات الاستخباراتية، وتمويل عمليات خارج الموازنة. ومع غياب الرقابة الداخلية، استفاد بعض الضباط الإسرائيليين من هذه التجارة المحرّمة، وعندما أوشكت الفضيحة على الانكشاف كمّم الجيش الإسرائيلي الأمر بأوامر حظر نشر ولوائح اتهام مختومة، بل وإيداع أحد الفاعلين الرئيسيين في مصحّة نفسية، لتبقى العملية اليوم من أحلك صفحات الاستخبارات الإسرائيلية.
هذه الاستراتيجية هي فصل من فصول الإبادة الجماعية بأسلوب الإنهاك البطيء. فالإدمان يقوّض القدرة على التنظيم والمقاومة. كل حبة يبتلعها إنسان محاصر تنخر في العقد الاجتماعي الذي أبقى غزة حيّة حتى الآن.