تونس -اونيفار نيوز-القرارات التي ما فتئت تصدر عن المحكمة الإدارية ولاسيما عن جلستها العامة منذ عهود طويلة تلهم كل من يريدون حقا اصلاح القضاء وتعزيز استقلاليته عن بقية السلطات ولا سيما السلطة التي تمسك بالقوة القاهرة. فاستقلالية القضاء مثلت هاجسا في جميع الدول والمجتمعات المعاصرة منها وعبر التاريخ.
التجارب الناجحة إلى حد الان اثبتت ان اكبر سند لاستقلالية القضاء هو تجذر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدل في الضمير الجمعي للمجتمع، فيرتقي المجتمع باغلب عناصره إلى درجة من الوعي تؤهله للمحافظة على قيمه بصفة تلقائية دون حاجة للقوة القاهرة لفرض تلك القيم او حفظها. وبالمقابل لذلك فان الشعوب التي تربت على الانبطاحية والنفاق والكذب والخداع والتزلف لذوي السلطان والخوف والأنانية، من الصعب جدا ان تقف سندا لدعم استقلالية القضاء.
وفي انتظار تحقيق هذا الهدف الذي قد يبدو طوبيا لدى البعض خاصة في ظل مجتمعاتنا التي لم تتعود على الديمقراطية وعلى الحوار، تبقى اكبر حصانة لضمان اكبر قدر من استقلالية القضاء ومصداقيته هي وجود درجة عليا في هياكل التقاضي تتألف من كبار القضاة ذوي الخبرة والكفاءة لا تتحكم في مسارهم المهني سلطة اخرى مضادة، يتعهدون بالبت في النزاعات في آخر درجة بتركيبة متعددة الاعضاء لا تقتصر على مجلس ثلاثي او خماسي بل اكثر من ذلك، إضافة إلى تطوير المنظومة التشريعية لسن قوانين إجرائية عادلة وبعيدة عن الغموض وتحفظ الحقوق بما يجعل من المستحيل على مجلس قضائي من كبار القضاة أن ينحرف نحو الظلم ويصدر حكما مخالفا لقناعات القضاة حتى لو مورست عليه إكراهات وضغوطات.
القضاء الإداري بدا في تونس وفي عديد البلدان منذ عهود من الزمن شامخا في حفظ الحقوق وفي النأي بنفسه عن الاذعان لاي سلطة اخرى عدا سلطة القانون بسبب عاملين أساسيين في تقديري:
1- القضاء الإداري قضاء إجرائي justice procédurale فأي حيف وظلم يصعب تعليله وتحييثه في لائحة الحكم الإداري لوضوح النصوص الإجرائية جودقتها.
2- الجلسة العامة بصفتها اعلى سلطة في القضاء الإداري تجتمع بتركيبة متعددة الاعضاء تصل إلى سبعة وعشرين قاضيا ومستشارا فيصعب كثيرا احتواؤهم او الضغط عليهم او وقوعهم في اخطاء تقديرية.