- صراع “البلدية”… يتحكم فيه “السواحلية”
هل تعيد كرة القدم تماسك “السواحلية”…!!؟؟
تعتبر الرياضة في تونس من اكثر الانشطة ارتباطا بالشأن السياسي و ذلك منذ ان تأسست الجمعيات الرياضية لتعبئة الشعب ضد الاستعمار وصولا الى المرحلة الحالية التي تواصل انتاج “دولنة الرياضة ” في اطار علاقات التأثير و التأثر القائمة بين المجالين.
و هذا الارتباط هو الذي يفسر الى حد كبير اهمية بعض الجمعيات الرياضية و خاصة منها تلك التي تمتلك قاعدة جماهيرية عريضة و التي يعتبر النجم الرياضي الساحلي احدها مع امتلاكه لخاصية لا تمتلكها الجمعيات الرياضية التونسية الاخرى و تتمثل في انه يمثل انطلاقا من تسميته تعبيرا عن جهة من جهات تونس في الوقت الذي ترتبط فيه اغلب الجمعيات الاخرى- باستثناء النادي الافريقي- بمدينة او حي سكني.
و هذه الخصوصية جعلت النجم الرياضي الساحلي في السنتين الاخيرتين محل صراع حاد بين بعض الشخصيات المتنفذة سياسيا من اجل التحكم في مقاليده بين “اصدقاء الامس” و نعني عائلتي جنيح و ادريس من جهة و رضا شرف الدين من جهة اخرى في اطار الخلاف الذي استجد صلب السلطة التنفيذية بين الباجي قائد السبسي و يوسف الشاهد بعد ان اختار رضا شرف الدين الاصطفاف خلف رئيس الجمهورية و انحازت عائلة “ادريس- جنيح” الى رئيس الحكومة شعبية كبيرة.
و تتأتى أهمية النجم الرياضي الساحلي من ان هذه الجمعية تحظى بشعبية جارفة على امتداد منطقة الساحل التونسي التي تضم من الناحية الادارية ثلاث ولايات و هي سوسة و المنستير و المهدية و هو ما يجعلها اداة “رتق متميزة” لبعض الشروخ التي قد تظهر على الاحساس بالانتماء للساحل كالتمايز الذي ظل قائما بين من يعتبرون انفسهم من المنحدرين منذ اجيال من مدينة سوسة و الوافدين اليها من مدن و قرى اخرى الى جانب “الحساسيات المتوارثة ” خاصة بين مدنتي سوسة و المنستير و التي غذاها الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبة بسياساته التي اعتبرت تمييزا ايجابيا مبالغا فيه للمنستير و محاولة لتهميش سوسة و الحد من دورها.
و من المفارقات ان الحبيب بورقيبة الذي يتهم بالانحياز للمنستير هو الذي كان وراء تشكيل “اللوبي الساحلي” و هو ما تؤكده عديد المعطيات و من اهمها ما تضمنه الكتاب القيم الذي اصدره اخيرا الصحفي الباحث محمد علي الحباشي تحت عنوان “السواحلية زمن البايات… و الدولة البورقيبية… وثائق نادرة”.
حقائب وزارية بالجملة…
حول “الحظوة” التي وجدتها هذه الجهة في ظل “الدولة الوطنية” و التي جعلنها تستاثر “سياسيا باعلى نسبة من الحقائب الوزارية في مختلف التشكيلات الحكومية على امتداد العشريات الثلاث من الحكم البورقيبي ( ص 119) و قد انعكس هذا الحضور في ظل دولة تدار بطريقة مركزية في التواجد في اهم مواقع القرار الاداري و السياسي و هو ما كانت له تداعياته السياسية و الاقتصلدية الايجابية على جهة الساحل التي كانت في بداية الاستقلال جهة “طاردة للسكان ” من خلال اقبال اينائها على الهجرة للخارج لتتحول بفضل انتعاشة القطاع السياحي و تطور الصناعة و الخدمات و الفلاحة الى جهة تستوعب اعداد متزايدة من ابناء الولايات الاخرى و هو ما يجعلها تعرف اعلى كثافة سكانية ( 146ساكن في الكلم مربع مقابل 42 في بقية الجهات).
و لا شك ان تطور جهة الساحل لا يعود الى السياسات التي اتبعتها دولة الاستقلال فقط بل يجد جذوره في بعض المعطيات السوسيولوجية التي من اهمها قدرة اهل الساحل التونسي على المراوحة بين الانفتاح على العالم و بقية الجهات و هو امر يفرضه البحر و انبساط التضاريس و الابقاء على شبه ثقافة فاعلة تتجسد الى جانب التقاليد في لهجة لها مفرداته الخاصة و ايقاعها المميز.
لقد اندمجت في “الشخصية القاعدية الساحلية” افواج من الوافدين الى الجهة من داخل الجمهورية و انصهرت في صلبها قبائل تخلت عن الانتماء القبلي و هو ما يقيم الدليل على قدرة الجهة على الاضطلاع بادوار على المستوى الوطني كما برز ذلك في مواجهة تعسف البايات و محلة زروق عند مضاعفة المجبى و في النضال ضد الاستعمار اذ لعب “السواحلية” دورا هاما في هذا المجال.
و اذا كان جاك بيرك يعتبر انه لا يمكن الفصل بين التريخ الاجتماعي لتونس و شجرة الزيتون فان هذا الاستنتاج يتجسد اكثر في جهة الساحل التي مكنها الارتباط بهذه الشجرة من تجنب الترحال و ساهم في خلق اسباب ارتباط اخرى بينها و بين بقية الجهات و جعلها من اكثر مناطق تونس في تلاصق و تسلسل التجمعات الحضرية و هو ما يمثل ثقلا انتخابيا لافتا في الانتخابات التشريعية و البلدية.
و يبقى السؤال كيف سيتصرف “اللوبي الساحلي” في الاستحقاقات القادمة و هل سيمنح النجم الرياضي الساحلي رضا شرف الدين “بريقا” كاد يفقده مؤخرا بعد ان اختار الابتعاد عن صراع “بلدية السياسة” الدائر بين الباجي قائد السبسي و يوسف الشاهد الذي يحافظ من خلال علاقات المصاهرة على صلات بهذه الجهة التي تمثل رقما هاما في المعادلة السياسية التونسية منذ عقود.