فقد العالم العربي مؤخرا المناضل الكبير وليد المعلم وزير الخارجية السوري.
وقد خصنا الأستاذ عبد العزيز قاسم بكلمة التأبين التالية:
يوم الاثنين 16 تشرين الثاني نوفمبر، استيقظت دمشق، عاصمة محور المقاومة على خبر فاجع : مات المعلم، وليد المعلم، وزير الشؤون الخارجية، نائب رئيس مجلس الوزراء.
كان عليّ أن أنشر هذه الكلمة التأبينية غداة الإعلان عن وفاة هذه الشخصية العربية الفذة إلا أني تحاشيت أن أسبق الخارجية التونسية في أداء هذا الواجب. ثم تذكرت أن علاقاتنا مقطوعة مع سوريا بقرار من الترويكا سيئة الذكر ما زال ساري المفعول وأن الآلاف من شبابنا الأغر يجاهدون في بلد أبي العلاء المعري ذبحا ونهبا واغتصابا.
كان وليد المعلم دبلوماسيا محنكا من حجم محمود فوزي أو محمود رياض في العهد الناصري وكذلك طارق عزيز ما قبل غزو العراق. ربما هو آخر ممثل لفصيلة مجيدة بصدد الانقراض. خاصة إذا تذكرنا أن الرجل زاول تعليمه العالي في بداية ستينات القرن الماضي بالقاهرة الناصرية فتشبع بالفكر القومي في عنفوانه. بلغ الرجل سن التقاعد منذ سنين وكان ذا سمنة تستوجب العلاج والراحة ولكنه أبى إلا أن يموت واقفا يذود عن سورية، عن القومية، عن العروبة في عهد الخيانة.
تعرضت سورية في إطار ما سُمِّي بالربيع العربي المشؤوم إلى أشرس حرب دولية لم يعرف تاريخ البشرية لها مثيلا شنها أقذر تحالف إقليمي ودولي يستعمل لفيفا قوامه مائتا ألف قاطع طريق مأجور جيء بهم من ثمانين جنسية. واجتمع “أصدقاء سورية” في أكثر من بلد عميل وجُمّدتْ عضوية دمشق بجامعة الدول العربية فقال: وهل ما زال هناك جامعة؟. وبهدوء أولمبي وعقلانية لا يشوبها أي انفعال عاطفي وفي أصعب مراحل التصدي للعدوان أوصل وليد المعلم صوت قلب العروبة الصامد إلى كافة أرجاء المعمورة. عُرضتْ عليه عشرات ملايين الدولارات مقابل مجرد الانسلاخ عن حكومة بلاده فرفض بخيلاء. طُلبَ إليه رأيه في هرولة المطبعين فقال: المسألة ليست جديدة، كانت العلاقات تجري في الخفاء منذ زمن ولسنا في حاجة إلى أمثالهم.
ولئن كانت العلاقات السورية الإيرانية قوية من أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد فإن المعلم هو مهندس العلاقات السورية الروسية ولقد نعاه صديقه سيرغي لافروف بكلمة أثنى فيها على ذكاء المفاوض وحكمة السياسي ووفاء الإنسان.
منذ بدء العدوان كانت أمريكا تنتظر بفارغ صبر أن تدخل سورية بيت الطاعة بالابتعاد عن إيران والاقتراب من إسرائيل وكان الرفض قاطعا… مع أنفة في التعامل.
ما زلنا نذكر كلمة اشتهرت في معابر الأمم المتحدة بنيويورك. كان المعلم، نعتا وتسمية، في إحدى الغرف يتحادث مع نظيره الروسي وطالت المقابلة في حين كان جون كيري ينتظر بشيء من الانزعاج لدقائق طويلة أن يتفرغ له سيرغي لافروف الذي كان هو الآخر غير مستعجل. ولما خرج الراحل الكبير من عنده سألته قناة الميادين عما إذا كان يعلم أنه أطال وظل وزير الخارجية الأمريكي ينتظر، فقال “خليه ينطر”. وذهبت هذه الكلمة مثلا.
مات وليد المعلم وبعض وزراء الخارجية العرب يقدمون علنا، وفي شوارع فلسطين المحتلة، شواهد الولاء والإخلاص لأسوأ حكومة صهيونية على الإطلاق. كنا نتمنى أن يمهل الأجل الفقيد العزيز إلى ما بعد تحرير الأرض من بقايا الأهماج ولكنه ذهب، في اعتقادنا، مرتاح البال، لأن سورية تتعافى كل يوم ولأن خريجي مدرسته كُثْر
ذهب المعلم فبكاه الأحرار بعيني إعلامية الميادين المتميزة ديمة ناصيف.
ولسورية مهبط الحضارات ومعقل المقاومة الصامد، رئاسة وحكومة وشعبا، أحر عبارات العزاء.
عبد العزيز قاسم