* الكاتب العربي منفي في وطنه
لونيفارنيوزثقافة نور الدين بالطيب :رواية جديدة صدرت هذه الأيام لحسونة المصباحي عن دار نقوش عربية بعنوان حديقة ليلة الشتاء وكتاب ثان عن دار خريف بعنوان أنفاس الصباح .
حسونة الذي hختار العودة إلى قريته الذهيبات في أرياف العلا من ولاية القيروان يتحدّث في هذا الحوار عن الكتابة والمنفى وسموم الاقصاء في المشهد الثقافي .
كيف يمكن أن ننزل روايتك الجديدة حديقة ليلة الشتاء ضمن مسيرتك الروائية الطويلة ؟
هي ثمرة أسفار وتجارب ومعايشة لكتاب وفنانين وشعراء عرفتهم أو تأثرت بهم من الأموات والأحياء. من خلالها ندرك أن الكتابة كانت دائما وأبدا ، وفي كل الثقافات، عنصرا أساسيا في التاريخ البشري. وفي هذا الزمن التكنولوجي الرهيب الذي يهددنا بموت الكتاب، وبموت الشعر، وبفناء الكلمة ليصبح الانسان رهينة ما تنتجه شركات التكنولوجيات الحديثة التي توهمنا بأن حياة البشرية ستكون أفضل من دون ما ذكرت. ثم إني أردت أن تكون روايتي عاكسة لحوار بين الشرق والغرب، وين مختلف الثقافات. وهذا الحوار يبرز بالخصوص أن هموم الانسان واحدة مهما كان اللون أو الدين أو غير ذلك. وهو لا يكون فاعلا ومثمرا ومفيدا إلاّ من خلال الكتاب والفنون والثقافة بصفة عامة.
يحضر في روايتك عدد كبير من الكتاب من تونس والعالم هل تعتبر هذه الرواية تكريما او تمجيدا للكتابة ؟
الكتاب الأجانب والعرب الذين يحضرون في روايتي يعكس كل واحد منهم ثمة من الثمات التي تطرقت إليها، منها الموت، والاغتراب بجميع أشكاله، والوحدة في المدن الكبيرة، وعذاب الفنان في مجتمع يُقصيه ويهمشه، والخيبات المرة التي تعقب الثورات، وقسوة الحياة على من يحبون الحياة بصدق وليس كذبا وادعاء، وأوجاع نهاية العمر…
فكرة المنفى حاضرة في كل أعمالك تقريبا السردية هل ترى أن المنفى أو الإحساس به مرتبط بفعل الكتابة نفسه ؟
أدب المنفى قديم قدم الانسان. وهو حاضر في كل الثقافات والحضارات. وأعظم الكتب تلك التي عالجته بطرق مختلفة. وأنا عشت الاغتراب الداخلي والخارجي، وتأثرت كثيرا بكتّاب وشعراء وفلاسفة عاشوا المنافي سواء داخل بلدانهم أو خارجها. وأظن أن كل عربي يمتلك حسّا قويا بالحياة وبالوجود مغترب ومنفي حتى ولو كان في وطنه لأنه يجد نفسه مهمشا ومقصيّا، بل قد يحاكم بسبب فكرة أو رأي … باستثناء “أديب” لطه حسين، و”موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح، نحن لا نعثر على روايات عربية عميقة تبحث في هذا الموضوع. ورغم أن عددا كبيرا من الكتاب يعيشون راهنا في المنافي. فإن قليلا منهم مهتمون بتجربة المنفى في كتاباتهم. ولعل المنفى يعني للأغلبية الساحقة منهم الحصول على الجنسية أو على جواز سفر. وعندما يكون المنفى مقتصرا على مثل هذا الهدف فإنه لن يكون مفيدا أدبيا وفنيا. أما في الشعر فإن المنفى يحضر بقوة خصوصا عند عبد الوهاب البياتي وسعدي يوسف وسركون بولص. وثلاثتهم عراقيون. وفي روايتي قد يكون البياتي هو الشاعر العراقي الذي يجد نفسه بعد أن تقدمت به السن في فراغ مخيف فلا يجدي له وجهة أو مصيرا…
كيف يرى حسونة المصباحي المشهد الثقافي اليوم في تونس ؟
تحدثت في الموضوع كثيرا… وأعتقد أن هناك عوامل مختلفة أفسدت هذا المشهد وسطحته… من بين هذه العوامل يمكن أن أذكر هيمنة الجامعيين على هذا المشهد بحيث يمكن القول أنه لا يوجد مجال واحد لا يتحكم فيه هؤلاء. فهم في المعهد الوطني للترجمة، وهم المشرفون على معارض الكتاب ، وهم في لجان الجوائز، وهم في اتحاد الكتاب … والشيء المثير للغضب ولاستياء حقا هو أن هؤلاء يتصرفون مع الكتاب من خارج الجامعة وكأنهم طلبتهم ، ويعني ذلك أن يكونوا راضخين لأوامرهم رضوخا كاملا. فإن عصا أحدهم وُضع في القائمة السوداء ليحرم من الجوائز، ومن حضور الفعاليات الثقافية، وحتى من خبزه اليومي. وخلال السنوات الأخيرة ازداد الجامعيون نفوذا وسلطة، وأصبح البعض منهم يتصرفون مثل قادة العصابات. ولست أنا الوحيد الذي يصفهم بمثل هذا الوصف، بل يشترك معي فيه جامعيون أيضا. وهذا ما يتأكد لنا من خلال كتاب صدر مؤخرا بعنوان:” في جحيم الجامعة” وهو يتضمن أدلة قاطعة تدين هذه “العصابات التي أفسدت الجامعة وأفسدت المشهد الثقافي. وأما الأمر الثاني الذي عكّر الحياة الثقافية وسمّمها فهو كثرة المجاملات والإخوانيات وغياب النقد الجاد والنزيه وانعدام المجلات والملاحق الثقافية.
بعد رحلة تيه طويلة ماذا أضافت لك العودة إلى رحم الأم الذهيبات ؟
العودة إلى الذهيبات ولادة جديدة بالنسبة لي في الحياة وفي الكتابة. وأنا سعيد بهذا الاختيار لأنه ضمن لي الاطمئنان النفسي، ووفر لي الوحدة التي أحتاجها لمواصلة عملي في الهدوء والصمت…