تتسارع الأحداث في ملف النزاع الليبي. كان من اللافت الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مع المشير خليفة حفتر، قائد قوات شرق ليبيا في الوقت الذي تستمر فيه العمليات العسكرية التي أطلقها ضد الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في العاصمة الليبية، طرابلس.
“أثنى ترامب على الجهود التي يبذلها المشير حفتر و أقر بدوره الجوهري في محاربة الإرهاب و تأمين المصادر النفطية الليبية” وفقا للبيت الأبيض، في بيان نشره يوم الجمعة، الذي أشار إلى أن الاتصال جرى يوم الاثنين الماضي، مضيفا أن الطرفين ناقشا ” نظرة مشتركة لتحول ليبيا إلى نظام سياسي مستقر وديمقراطي”.
شبكة س.ن.ن الإخبارية الأمريكية واسعة الانتشار التي نشرت الخبر قالت إن بيان البيت الأبيض لم يتطرق حول هذا الاتصال الذي جرى بين ترامب و حفتر إلى العمليات التي يقوم بها الأخير ضد حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، فيما اعتبرت تصريحات ترامب تحولا مخالفا لموقف واشنطن المُعلن مطلع الشهر الجاري والذي جاء على لسان، وزير الخارجي الأمريكي، مايك بومبيو، حيث قال حينها: “أوضحنا أننا نعارض الهجوم العسكري لقوات خليفة حفتر على الحكومة في طرابلس ونحث على وقفها فورا.
و في رد على سؤال حول المكالمة بين ترامب و حفتر، قال باتريك شاناهان، القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي إن البنتاغون و “السلطة التنفيذية متوازيان حول ليبيا” مؤكدا على أن “الحل العسكري ليس ما تحتاجه ليبيا”.
إذا أضفنا أن الشبكة الإخبارية عنونت لخبرها : “ترامب يهاتف حفتر ويخالف موقف خارجية أمريكا المُعلن حول ليبيا” أدركنا أن تغيرا طرأ على موقف القوة الأكبر في العالم لا بد من أخذه بعين الاعتبار لا سيما و أن المكالمة جرت أربعة أيام قبل تاريخ الكشف عنها و إن ما جاء في بلاغ البيت الأبيض يكاد يرتقي إلى معاملة ترامب للمشير حفتر و كأنه الحاكم الفعلي لليبيا و هو ما يشير إلى أن قائد الجيش الليبي لم يعد شخصية محورية في النزاع الليبي فحسب بل أضحى فاعلا أساسيا على الميدان بعد تقدم قواته نحو الغرب الليبي و ما حققه من مكاسب على الأرض فضلا عما كان حصل عليه في الماضي من حيث التحكم في الهلال النفطي الذي أصبح في جزء كبير تحت سيطرته و هو ما جاء في البلاغ الأمريكي لما تحدث عن “تأمين المصادر النفطية الليبية” و هو أمر مهم جدا بالنسبة لرئيس الإدارة الأمريكية الذي عُرف بانتهازيته و ببراغماتيته و بسعيه الدؤوب للحصول على منافع كلما سنحت الفرصة لذلك.
في نفس يوم الجمعة أصدرت وزارة الشؤون الخارجية التونسية بلاغا أشارت فيه أن الوزير خميس الجهيناوي اتصالا هاتفيا مع القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة، جدد فيها الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا و حقن دماء الليبيين، كما شدد على ضرورة استكمال بقية مراحل المسار السياسي الجاري تحت رعاية الأمم المتحدة في أقرب الآجال، معتبرا أنه لا يمكن التوصل إلى تسوية للأزمة الليبية إلا بالحوار و التفاوض.
و أشار البلاغ أن هذه المكالمة الهاتفية في تندرج إطار الاتصالات التي يقوم بها وزير الشؤون الخارجية مع مختلف الأطراف في ليبيا لحثهم على التحلي بأقصى درجات ضبط النفس و تغليب لغة الحوار و إنهاء التصعيد العسكري.
و حسب نفس المصدر أجرى الوزير اتصالين هاتفيين مع كل من الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رئيس بعثة الدعم الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، و وزير الخارجية الليبي محمد الطاهر سيالة، كما استقبل بمقر الوزارة رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري.
في نفس الإطار استقبل الرئيس الباجي قايد السبسي، النائب الأوّل لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا أحمد معيتيق، و جدّد رئيس الجمهورية بهذه المناسبة، موقف تونس الداعي إلى ضرورة تجنّب التصعيد العسكري في ليبيا و الإنهاء الفوري للاقتتال و حقن دماء أبناء الشعب الواحد، و التزام جميع الأطراف بالتهدئة و ضبط النفس و تغليب المصلحة العليا للوطن و تجنيب الشعب الليبي الشقيق مزيدا من الخسائر و المعاناة ، مشدّدا على أنّ الحلّ في ليبيا يجب أن يكون حلاّ سياسيا و بيد الليبيين أنفسهم تحت مظلّة الأمم المتحدة و حسب بلاغ الرئاسة جدّد رئيس الدولة موقف تونس الداعي إلى ضرورة تجنّب التصعيد العسكري في ليبيا و الإنهاء الفوري للاقتتال، و التزام جميع الأطراف بالتهدئة و ضبط النفس و تغليب المصلحة العليا للوطن و تجنيب الشعب الليبي الشقيق مزيدا من الخسائر و المعاناة، مشدّدا على أنّ الحلّ في ليبيا يجب أن يكون حلاّ سياسيا و بيد الليبيين أنفسهم تحت مظلّة الأمم المتحدة.
الواضح أن تونس تتماهي مع الموقف المبدئي الذي اتخذته و إلى المبادرة التي وضعت أسسها و التي تقوم على ضرورة التوصل إلى حل سلمي للأزمة يقع بلوغه في إطار ليبي ليبي دون أي تدخل خارجي و يضمن سيادة ليبيا و وحدة أراضيها و لكن يبدو حسب ظاهر الأشياء أننا نساند طرفا مقابل طرف آخر و أن الطرف الذي نسانده ليس هو الذي يحظى بالتقدم على الأرض و يحصل على أوسع تأييد إقليمي و دولي.
فإذا استثنيا بريطانيا العظمى التي فشلت لحد الأن في استصدار بيان بمجلس الأمن يدعو قوات حفتر بالاسم إلى إنهاء هجومها على الغرب الليبي فإن بقية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن و نعني أمريكا و روسيا و الصين و فرنسا تقف في موقف المساند الفعلي أو المعنوي لقائد الجيش الليبي فضلا على أن هذا الأخير يحظى بساندة الدولة الأهم في المنطقة و نعني بذلك مصر التي استقبل رئيسها عبد الفتاح السيسي في قصره بالقاهرة المشير خليفة حفتر، فضلا عن الدعم الذي يجده هذا الأخير من المملكة السعودية و دولة الإمارات.
كل هذه المعطيات تؤكد ضرورة ألا تكون تونس في صف المهزومين عندما تنتهي الأزمة الليبية إن آجلا أو عاجلا.
قد يكون الوقوف على الربوة أسلم و لكن ليس في كل الأحوال هو الأفضل لمصالح تونس و هي حيوية في مسالة الحال.
رؤوف بن رجب