-
حركة النهضة مسؤولة على أنهيار البلاد… والطبقة السياسية وراء فقدان الأمل
-
لا خلاص لتونس إلا بجبهة وطنية واسعة
-
25جويلية أنقذ الاخوان من غضب الشارع
أونيفار نيوز -لقاءات : حوار نورالدين بالطيب أعتبر الدكتور عميرة علية الصغير أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية أن الرئيس قيس سعيد خيُب ظن الذين أعتقدوا أن 25 جويلية طوى صفحة الأخوان لكن تبين أنهم أنقذهم من غضب شعبي عارم كما يرى أن البرلمان القادم سيكون أستمرارا لمتظومة 14 جانفي التي يقودها الأخوان .
وهذا نص الحوار الذي أجرته معه “أونيفار نيوز” :
كيف ترى الانتخابات القادمة واي مصداقية لها ؟
الانتخابات التشريعية القادمة في تونس ادّعى الرئيس انها ستكون «اصلاحا للمسار” وواضح أنها ستكون حتما إفسادَ الفاسدِ واعادة انتاج ما سبق. استبشر جل التونسيين بحل البرلمان في 25 جويلية 2021 واملوا أن تقلب صفحة حكم الإخوان وحلفائهم وتبيّن لهم انه فعلا كان مجرد عملية ترميم للنظام الذي أرساه مخطّطوُ أحداث 2011 وانقاذ “الخوانجية” من غضب عام كان سيسحقهم.
كانت الخيبة في الدستور الذي صاغه الرئيس لوحده وتضاعفت الخيبة في القانون الانتخابي الذي صاغه كذلك منفردا دون استشارة القوى الوطنية في البلاد. فهو قانون غير عملي وليس فقط حرم المرأة والشباب أساسا من تمثيلية فعلية في البرلمان القادم بل فتح الباب ليتسلّل له كل من له قدرة على اشتراء المزكّين بالمال والانتماء العائلي والعروشي وان كنّا لا نملك صورة واضحة وكاملة على المترشحين فانّ بعض الأسماء التي رشَحت على جهات معينة تنبؤنا ان مرتزقي السياسة والمهرّبين وحتى المشعوذين وتجار الدين سيتصدرون البرلمان القادم علاوة عن العاطلين ومنعدمي الخبرة.
فبينما من المفروض أن يكون البرلمان يمثل الإرادة الفعلية للشعب وفي برلمانيين لهم من الوجاهة والخبرة والوطنية نصيب سيجد التونسيون أنفسهم يحكمهم مجلس خليط من الوجوه متنافرة ستتصارع على مصالحها الذاتية او الجهوية لأنهم هم أصلا انتُخبوا على أساس ما يرونه صالحا لدوائرهم وليس ما تفترضه تونس عامة من قوانين وبرامج وسياسات تستجيب لحاجات شعبها في اقتصاد قوي وسليم وحياة كريمة.
لم نعد نلاحظ حضورا كبيرا للأحزاب مقابل مناخ من اليأس والإحباط يخيم على الشارع التونسي هل انتهى زمن الاحزاب ؟
فعلا غاب حضور الأحزاب في تونس الا ما ندر والحال انه على الورق هنالك اكثر من 200 حزب اخذت التأشيرة القانونية منذ 2011 و ان كانت العشر سنوات السابقة عرفت فعلا نشاط مجموعة من التنظيمات الحزبية. فلماذا هذا الأفول اذن؟ في تقديرنا يعود لحقيقة اوّلية انه لم تكن لنا احزاب حقيقية في تونس بتنظيمها الصلب وانغراسها المجتمعي وعقيدتها السياسية البيّنة اذا استثنينا الحزب الدستوري القائم منذ 1920، كانت هنالك “نخب” يجتمع حولها أناس تتسع أعدادهم ودوائرهم حسب الظروف والمناسبات الانتخابية أو الأحداث الكبرى والأحزاب التي تكونت كالفقاقيع بعد 2011 كان جل مسييريها تحدوهم الرغبة في احتلال مواقع في السلطة واقتسام الغنيمة وثمرات الحكم لذاك الكثير منها مات في المهد و البقية التي حكمت ذابت و تفرتت صفوفها بسقوطها المدوي و فشلها في الحكم و انفضاض الناس من حولها خاصة وانّ تهم الفساد والانتهازية وانعدام الوطنية أضحت تلاحقها من غالب الناس وعن حق.
هل يعني ذلك ان زمن الأحزاب انتهى؟ لا طبعا. ومن يعلن ذلك اما ان يكون مستبدّا يريد ان يحكم لوحده أو جاهل بشروط اشتغال الأنظمة الديمقراطية. فكل العارفين من المختصين والمطلعين يرون دائما ان نظاما ديمقراطيا تمثيليا حديثا يشترط وجود الأحزاب السياسية لأنها هي أدوات التأطير السياسي وتنظيم الارادات الفردية والتعبير عن ارادة الناخبين مجتمعين وأدوات ضرورية للحكم والمحاسبة. فقط تتغير الأحزاب وتتطور حسب تطور مجتمعاتها وما يطرأ عليها من أحوال ومن تجارب كبيرة وصغيرة، ان كانت محلية وعالمية.
الطبقة السياسية التي تصدرت المشهد منذ سقوط النظام السابق ما هي مسؤوليتها في الاستقالة الجماعية اليوم من الشأن العام ؟
في الواقع عرفت تونس منذ ما اصطلح عليه ب”الثورة” في 2011 زخما شعبيا واسعا و كان انخراط فئات عريضة من المجتمع في النشاط السياسي و حتى الاجتماعي بحجم الأمال التي كانت معلّقة على “النظام الجديد” أي “نظام الثورة” في الاستجابة لطموحات الناس في الحرية والكرامة ورفع الاستبداد ومحاربة الفساد والرشوة والمحاباة .لكن درجة انخراط الناس و اهتمامهم بالشأن العام ما فتئا يتراجعان ليس فقط في ما سجّل في نسب المشاركة في الانتخابات المتتالية منذ انتخابات المجلس التأسيسي في 2011 بل تراجعت النسبة في كل الانتخابات اللاحقة كما اصبح العزوف مستشريا لدى الناس عن الاهتمام ب”السياسة” و حتى المشاركة في تحركات الشارع او حتى تتبع “بلاطوات الحوارات” السياسية، هذه الاستقالة مست كل الفئات العمرية و خاصة الشباب الذين كانوا محور التحركات التي طبعت سنوات 2010-2014 بالخصوص كذلك شملت ظاهرة ادارة الظهر للشأن العام المثقفين كما عامة الناس. وسبب هذه الاستقالة واضح وكان بحجم الخيبة وفقدان الأمل. خيبة في الذين حكموا وفقدان الأمل في الذين يحكمون.
و الأمر الثابت انّ جماعة الاخوان وتوابعهم الذين حكموا البلاد فعلا منذ 2011 ، لوحدهم او متحالفين مع من شابههم من القوى الأخرى، هم السبب الرئيسي في ذلك أذ حكموا البلاد بمنطق الغنيمة و روح الثأر من البلاد واضعين مسؤولية حكامها منذ الاستقلال على قدم المساواة في ما يسمونه “مأساتهم” مع الشعب لأن الناس في مخّهم لم يتعاطفوا معهم و لم ينجدونهم أيام اضطهادهم و محاكماتهم.
حيث شملت غنيمة السلطة اتباع الاخوان و دوائرهم مناصبَ وامتيازات و توزيع الاعانات من الداخل و الخارج و تقاسم مدخرات البلاد التي تركها النظام السابق تعويضات وترقيات للاتباع و للمؤلفة قلوبهم ، اضافة لنشر الإرهاب وانعدام الأمن واضعاف الاقتصاد و اغراق البلاد في الديون والتبعية فتحولت حياة التونسيين لجحيم و فقر متزايد وبطالة تراكمت بازدياد عدد المتخرجين من التعليم و غلق ألاف المعامل و النزل نتيجة فتح السوق للتجارة العشوائية و منح الامتيازات للدول الراعية وخاصة تركيا و استشراء التهريب ولم تزد جائحة كرونا الا تعكيرا لأوضاع الناس و اضحت البلاد على حافة الإفلاس وما تعانيه تونس اليوم هو نتيجة حكم الإخوان و توابعهم منذ 2011 و ما عمل حكومة قيس سعيد حاليا الا محاولة انعاش مريض يشارف على الموت سلّمته اياها أيادي العجز والأنانية وانعدام الوطنية من الإخوان وتوابعهم.
هل تتحمل حركة النهضة ما تعيشه تونس اليوم من أزمة مركبة تهدد استمرار الدولة ؟
لا يختلف عاقلان في تحميل النهضة ما تردت فيه البلاد حاليا من أزمة مركّبة فعلا فهي سياسية واقتصادية ومالية وغذائيّة وثقافية وأمنية وتعليمية وفي مكانة تونس وعلاقاتها الدولية اذ اضحت تونس دولة فاقدة للثقة عن المؤسسات البنكية العالمية وأضحى أهلها مظنونين بشبهة الارهاب كلما عتبوا مطارات العالم. ليس فقط هؤلاء المتأسلمين اثبتوا أن لا كفاءة عندهم حتى في تسيير بلدية فما بالك بدولة، اذ لم يأتوا السلطة (والأصح أُوتي بهم) الا لتغيير نمط المجتمع وأخونته اذ يرونه قد حاد عن “الاسلام الحق” واعادة تركيب الدولة التي ينعتونها ب «دولة الكفر والتغريب والعلمانية” ويجب الثأر من رموزها ومن مؤسساتها وقوانينها ورجالها.
فتم في السنة الأولى من حكم الإخوان افراغ الادارات من الكفاءات التسييرية الموروثة عن الدولة الوطنية ونظام الاستقلال وتعويض المسؤولين فيها بأتباع لا يشترط فيهم الكفاءة بل الولاء للجماعة كما اقرّ بذلك عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة في خطاب شهير له، فكان تفكيك الدولة وغزوها بألاف المنتدبين الجدد وفي اغلبهم بشهادات مزيفة وتخريب ميزانية الدولة بما اشترطوه من تعويضات واعادة اصلاح مسارات لأتباعهم كتعويض لسنوات سجن او العيش في الهجرة. لم يكن لهم وازعا وطنيا البتة ولا غيرة عن تونس اذ عقيدتهم تعتبر الانتماء للدين فقط «وما الوطن الا حفنة من تراب عفن” كما سمّاه مفكر الاخوان ومرجعهم في تونس وفي العالم الشيخ سيد قطب.
والأخطر أن كل الحكومات التي تتالت على رأس الدولة وحتى منذ 2014 بمشاركة أحزاب أخرى لحزب النهضة كحزب النداء لم تقم بإصلاح الخراب ذاك وحتى المحاكمات الصورية اللاحقة لقياديين في هذا الحزب الاسلامي ان كان من أجل الارهاب او دمغجة الشباب وتجنيده وارساله للمشاركة في حركات الارهاب في الخارج او الاغتيالات والتجسس كلها لم تأت بنتيجة ترضي بل منحت عمليّا صكّ براءة للمتهمين.
ذاك هو وضع تونس حاليا ولا أمل في انقاذها الا بهبة عامة من وطنيي البلاد في جبهة صادقة وبوجوه قيادية لم تتلوث بالفساد او الاستبداد.