خيار تفتيت السلطة في ظل دستور 2014باركته Venise وكل ادوات الاستعمار….
ردا على اللغط الذي اثاره موضوع السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية في الدستور الجديد قال الدكتور “عدنان لمام” أستاذ القانون الدستوري ان الدستور الجديد اعاد إلى رئيس الجمهورية السلطات التي كان يحظى بها في ظلّ دستور 1959 مع حذف البعض منها .
دستور 2014تبنى عمدا خيار تفتت السلط:
يتجه التذكير حسب ما اورده بأن دستور 2014 تبنى، عمدا، خيار تفتّت و تشظي السلط بحيث لا يمكن لأية سلطة في الدولة أخذ القرار في أي موضوع كان و لو كان بسيطا. – هذا الخيار، الذي باركته القوى الغربية المتدخّلة في الشأن التونسي، و لجنة Venise و كلّ أذرع الإستعمار الجديد المقنّع ترتّب عنه شلّ حركة سلطة الدولة و عدم قدرتها على إيجاد الحلول لكبار و صغار المشاكل ممّا رجع بالوبال على الشّعب و كان ينذر بالتفكّك المحقّق للدّولة. – فالنظام السياسي الضعيف، الفاقد للنجاعة، المشتّت، الذي أفرزه دستور 2014 كان الإطار المؤسّساتي الأمثل لتطبيق إستراتيجيّة التمكين للتنظيم الإخواني العميل، علما و أنّ حركة النّهضة كانت الطّرف الرّئيسي الّذي صاغ هذا النّظام الهجين صلب دستور 2014، فبذلك تصبح الحركة مركز السّلطة الوحيد المنسجم و المتماسك و النّاجع الّذي يؤهّلها لكي تكون “صانعة ملوك”، و بذلك، “تصنع” جموع من الشّخصيّات المدينة لها، بحكم إرتقائها لمختلف المناصب بفضل تزكيتها أو عدم إعتراضها، و تصبح، بموجب ذلك، غير قادرة على أن ترفض لها طلبا.
و هذا الإعتبار يصحّ سواء فازت في الإنتخابات أم لم تفز لأنّ طريقة الإقتراع المعمول بها ( التّمثيل النّسبي بأكبر البقايا) يضمن لها موقع قوّة في البرلمان. – لذلك، كان لزاما على رئيس الجمهورية القطع مع هذا النموذج الذي لم يكن يسرّ إلاّ الأعداء و إقامة سلطة تنفيذية قويّة مركّزة، بالأساس، في شخصه، تحظى بما يكفي من الصلاحيات لمجابهة التحديات الكبرى . – و أي خيار آخر قد تترتّب عنه كوارث كبرى فلو وزّع الرئيس السلط بينه و بين حكومة يزكّيها البرلمان لعدنا إلى المربع الأول، مربع الفشل و العجز.
و لو نصّ الدستور على فرضية إثارة المسؤولية السياسية للرئيس و إمكانية عزله لتكاتفت و تظافرت جهود التنظيم الإخواني و الأحزاب و الشخصيات العميلة و و لوبيات الفساد والإفساد و القوى الخارجية المتدخلة للإطاحة به لسبب أو بدون سبب و قد حدث نحو هذا أخيرا في الباكستان، على سبيل المثال، و لرجعت هذه القوى من النافذة بعد ما طردت من الباب. – .
و لا يجب أن يفوتنا هنا أن نلاحظ بأن الرئيس لن تكون له صلاحيات الرؤساء في ظلّ دستور 1959 لأنّ البيئة السياسية إختلفت، فبن علي، مثلا، كانت له صلاحيات رئيس الجمهورية التي يمنحها له الدستور، و صلاحيات أخرى، بنفس الأهمية ، تمنحها له صفته كرئيس الحزب المهيمن في البرلمان مما يجعله يتحكّم في كلّ السلطة التنفيذية و كلّ السلطة التشريعية، و بورقيبة كذلك، في حين أنّ الرئيس الحالي و بحكم أنه ليس له حزب سياسي تحت إمرته لن يتحكم في السلطة – أو الوظيفة التشريعية- و بالتالي، سيكون هنالك نوع من التوازن بين السلطتين بما لا يعطّل تنفيذ مقتضيات السياسة العامة للدولة التي يضعها الرئيس. – في حقيقة الأمر، و بالنظر إلى أنّ الممارسات الدستورية الناجمة عن إحتكاك النص الدستوري بالبيئة السياسية التي يتنزّل فيها هي التي ستكوّن الدستور ” الحقيقي” ) و هذه حقيقة علميّة ثابتة و معلومة لدى الباحثين الجادّين في الشأن الدستوري( فإنّ رئيس الجمهورية ستكون له صلاحيات و سلطات أقلّ من الرئيس الفرنسي، مثلا، بحكم أن هذا الأخير يستمدّ صلاحيات محدودة جدا من النص الدستوري و صلاحيات واسعة جدا من صفته كرئيس الأغلبية البرلمانية، إن حازها حزبه، لذا فالقول بأنّ الدستور أعطى للرئيس سلطات مطلقة هو قول مغلوط و بعيد عن الواقع. – فحينما يقرّر رئيس الجمهورية الفرنسية، في صورة حيازة حزبه على أغلبية برلمانية، أن يمرّر، من خلال حكومته، مشروع قانون ما، فهو قادر على تمريره مهما كانت الظروف و مهما كانت المعارضة في حين أن رئيس الجمهورية التونسية، بالنظر إلى النص الدستوري و إلى البيئة السياسية التي سيطبق فيها، غير قادر على ذلك. – لذا، يجب أن نفهم بوضوح أن إختيار طريقة أخرى غير التي إختيرت في توزيع الإختصاصات، في الواقع السياسي الذي نحن فيه، يحتوي على مخاطر كبرى و قد يترتب عنه شلّ حركة سلطة الدولة ممّا قد يؤذّن بتفكّكها. –
خلاصة القول هو أن الدستور وليد بيئته و ليس الشأن أن نتبجّح، كما فعلنا طيلة عشرية سوداء قاتمة بأنّنا أصبحنا نشبه، في الرسوم فقط، القبلة التي تهفو إليها أفئدة جزء كبير من نخبتنا و تدين لها بالولاء و التبعية، النموذج الليبرالي الغربي، بل الشّأن كلّه أن نصمّم بناءا مؤسّساتيا ناجعا، قادر ا على مجابهة المصائب و المدلهمّات التي خلّفها لنا التنظيم الإخواني المجبول على الفساد و الإفساد.
و في جميع الحالات فمسؤولية الرئيس أمام الشعب ستكون على قدر السلطة التي أسندت إليه فإن أحسن إستخدامها، فهو ذاك، و إلاّ فسيكون في مواجهة مباشرة مع شعبه دون ترس يقيه.