في تعقيبه على حالة الركود التي تعيشها بلادنا اقتصاديا و حالة الاحتقان الاجتماعي بسبب الفقر و التهميش و غلاء المعيشة و غياب هيبة الدولة اعتبر الدكتور عبد الجليل بوقرة أن أسباب الأزمة في تقديره هو أن المثقفين اعتبروا الديمقراطية اولولوية الاولويات وان ترتيبها يسبق العدالة الاجتماعية والتنمية و السيادة الوطنية و أنها العلاج السحري لكل الأمراض في حين انه كان من الاجدى تهيئة المناخ الملائم لها و طالب المثقفون بالاستفاقة من غفوتهم لان الغد قد يكون أسوا و ان لن ينتظروا نتائج سبر الاراء للاستفاقة من الكابوس و الاوهام و انه لابد من تشخيص الداء و البحث عن الدواء الناجع وفيما يلي نص التدوينة ꞉
“على امتداد سنوات طويلة ظل العديد من المثقفين التونسيين يرفعون شعار “الديمقراطية الأن وهنا” و اعتبروها اولوية الأولويات و رتّبوها قبل العدالة الاجتماعية و التنمية و السيادة الوطنية.. و صنّفوها كعلاج سحري لكل أمراضنا الاجتماعية و الاقتصادية… متناسين ان الديمقراطية مثلها مثل أي نبتة لا يمكنها النمو و الانتاج قبل تهيئة التربة الملائمة لها و توفير المناخ المساعد… لذلك كان الأجدى قبل المطالبة بالديمقراطية الجاهزة على الطريقة الغربية و نقلها كما هي و الاعتقاد بأنه تكفينا مرحلة انتقالية محدودة في الزمان للتمتع بفضائل الديمقراطية مثل البلدان السكندينافية مثلا.. كان الأجدى المطالبة “بالتربية على الديمقراطية” عن طريق المؤسسات التعليمية و الاعلامية و الجمعيات الأهلية… حتى تصبح التربة التونسية قادرة على رعاية “شجرة الديمقراطية” و التمتع بثمارها لاحقا…. لذلك كان ما كان وحصل ما حصل من عبث بالدولة وبالسيادة الوطنية وبالاقتصاد ومن انهيارات متتابعة ولم يستفق “مثقفونا” من غفوتهم أو من غفلتهم سوى بعد كابوس نتائج الانتخابات و سبر الأراء فتارة يجدون شعبهم قد انتخب عريضة الهاشمي حمدي الشعبية و أخرى حزب نبيل القروي الافتراضي… و قد يكون الغد أسوأ من أمس و من اليوم…
و المصيبة أنه عوض بعد الاستفاقة من الكابوس و من الأوهام، الشروع في التشمير على ساعد العمل الجدّي و الشاق و المضني لبناء مستقبل أفضل شرع بعضهم في سب الشعب و شتمه و آخرون في التشكيك في مصداقية سبر الآراء…. يعني كل شيء سوى التوصيف العلمي للمرض و اختيار الدواء الناجع…
شعبنا تربى على امتداد قرون على “ثقافة” الشعوذة و الخرافة و الطمع و الخوف و “ثقافة اخطى راسي و اضرب” و “احييني اليوم و اقتلني غدوة” و”الكلب اللي يقطع بيك الواد آش يهمك في نتونة ذيلو” و “الدنيا مع الواقف حتى لو كان بغل” و “اليد الحرّا تتباس” و “شطر الرجولية هروب”….. ثقافة لا تؤمن بحق الاختلاف و لا تؤمن بالحريات الفردية و العامة، ثقافة الاختيار الانتهازي و عدم تحمل المسؤولية و أنا و من بعدي الطوفان… لذا لا لوم على الشعب في اختيار الحامدي أو القروي أو أي “أعجوبة” أخرى بل اللوم كل اللوم على الثقافة السائدة….
فمتى سنقتنع أننا لسنا في حاجة إلى الديمقراطية و إلى حقوق الانسان بقدر حاجتنا إلى التربية على الديمقراطية و إلى التربية على حقوق الانسان و إلى التربية على حق الاختلاف”…..
هاجر و أسماء