تونس – “الوسط نيوز” – كتبت : زينب التوجاني
ها قد سقط مقترح إنشاء صندوق للزكاة بأغلبية 93 صوتا ويتأكد بذلك تمسك التونسيين بالطابع المدني للدولة التونسية و انتصرت الدولة المدنية بسقوط هذا المقترح القروسطي الذي أكد الخبراء أنه لن يحل المشاكل المالية المتراكمة. و بذلك فقد أنقذ المصوتون ضد المقترح المسار الانتقالي من التداخل الممكن بين المشروع المواطنيّ و مشروع الاتّكال على الضمير الديني و الاعتماد على مؤسسة الشريعة التي كانت وليدة عصرها وتجاوزها الزمن اليوم. فإذا كانت حركة النهضة تدرك ان مقترحها يورط الدولة التونسية في خلفية دولة الخلافة الإسلامية و مع ذلك تقدمت به فإنها اذن تؤكد ثانية أنها لم تَتوْنَس و لم تقطع مع أصولها الإخوانية و لم تفهم الدرس.
و إذا كانت فعلت ذلك بجهل بالخلفيات و عدم وعي بخطورة التداخل بين مشروع الدولة المدنية و الدولة الدينية و لم تتعلم من رفض المجتمع التونسي سابقا لمشروع الأوقاف و الحبس و التكامل بين الرجال و النساء الذي تقدمت به و أسقطه المجتمع المدني و القوى الحية فإنها إذن لا تتعلم شيئا و لا تتعظ و لا تدرك أن التونسيين يميزون جيدا بين ايمانهم الفردي و استغلال الدولة لهم باسم الدين و أنهم لن يسمحوا بالانحياز عن مسار الديمقراطية و المواطنة و الدولة المدنية و لن يسقطوا في فخ المشاريع القروسطية البالية.
فكل الشكر للنواب الذين صوتوا ضد هذا المقترح و هم على وعي تام بخطورته الرمزية المتمثلة في أن يمسي سابقة لتداخل الديني بالسياسي و استخدام الشرعية البرلمانية للمصادقة على مؤسّسة فقهيّة لم تعد من مشمولات الدولة الحديثة منذ سقوط الخلافة في 1924 بل أمست ذات طابع فردي تتعلّق بضمير المؤمن الذي يتوسّل بالتزكية عن ثروته رضا ربه الرحيم.
فالله يثيبه ويرحمه برحمته و لا علاقة للدولة التونسية بحراسة هذه العلاقة بين المؤمنين و ربهم و كل ما على الدولة التونسية القيام به هو إتمام واجباتها التي يحاسبها عليها الشعبُ و تحقيق الشروط اللازمة للعدالة الاجتماعية و للتنمية المستدامة و للقضاء على الفقر دون أن تلجأ لاستغلال المؤمنين لجمع أموالهم التي يتقربون بها الى الله من اجل نجاتهم الروحية فتعتمد على مشاعرهم لتستغلها في دعم سياساتها و تغطية العجز الذي تتخبط فيه بسبب الفساد و التهرب الضريبي و سوء التخطيط و الاعتماد على الاستهلاك دون الإنتاج و عدم إيجاد معادلة بين الإنتاج و الإنفاق.
إن اعتراض الأغلبية البرلمانية يوم 10/ 12/ 2019 على مشروع صندوق الزكاة لحظة تاريخية مهمة عظيمة في تاريخ الدولة الحديثة، ذلك أنهم بذلك أكدوا أن الواجبات الدينية شأن فردي و أن الدولة مهمتها الوحيدة خلاص الأجور و تنظيم الحياة اليومية و تخطيط التنمية و تسديد القروض و السهر على المواطنين و خدمتهم و أما خلاصهم الأخروي و نجاتهم من النّار فإنّه أمر يعنيهم وحدهم و لا دخل للدولة فيه.
*جامعية