تونس – “الوسط نيوز” – كتبت : زينب التوجاني
عاد خطاب المطالبة بتطبيق الشريعة على لسان فتحي العيوني رئيس بلدية الكرم الذي أنشأ صندوقا لجمع الأموال سمّاه صندوق الزكاة و هو المقترح الذي تقدم به حزب النهضة في الانتخابات المنقضية و قال حرفيا في تصريح إذاعي: “الدستور يحثّ بصفة صريحة جدا على التقيد بمبادئ الشريعة الإسلاميّة و من بين تعاليم الشريعة الإسلامية هناك فريضة هي فريضة الزّكاة”.
و استغل العيوني مبدأ “التدبير الحرّ” ليعتبر مقترحه شرعيا و قانونيا و اعتمد في تبريره على فتاوى في جواز استثمار أموال الزكاة في المرافق الأساسية للمواطنين و اعتبر أن “المساهمات ستكون اختيارية في الوقت الحاضر” داعيا أن يتم “تعميم الإجراء على بقية البلديات”.
يدّعي هذا الخطاب -الذي أتت به النهضة في حملتها و لا تزال تنشره عبر مسؤوليها- أنه يعتمد على الدستور في حين يتعدى تعديا صريحا على فصله الثاني الذي يقرّ أن تونس دولة مدنية تقوم على المواطنة و إرادة الشعب و علوية القانون.
فتفعيل آليات المالية الإسلامية و ما تعتمد عليه هذه المالية من آليات متخلفة كالإفتاء ضربة قاسمة لمدنية الدولة، فالدولة و مؤسساتها و بلدياتها و سلطها المحلية يجب أن تعتمد على علوية القانون الذي يضبط واجبات و حقوق المواطن و يجب أن تعتمد على إرادة الشعب لا على حاكمية الواجبات الدينية أو على علوية الفرائض الشرعية التي تكون فيها السلطة مستمدة من حاكمية الله لا إرادة الشعب.
و هذه الفرائض تبقى مجالا لحرية الضمير الفردي و لا مجال لتوسط الدولة بين المواطنين و ربهم باستخلاص الأموال المفروضة عليهم دينيا من أجل خدمة الحاكم البشري، فعلى السلط التونسية أن تبقى محايدة بالنسبة إلى جميع المواطنين، فإذا استخلصت على المسلمين منهم الزكاة فهل ستفرض الجزية على من لم يكن منهم مسلما؟ و هل ستطبق فريضة الزكاة و تغفل عن بقية الفرائض؟ و هل ستطبقها و تغفل عن الحدود الواجبة لمن خالف الأمر بها من جلد و تعزير وقطع أياد من خلاف؟
إنه يجدر بنا أن نذكّر أن أولى الفتن الدموية بين المسلمين كانت ما سمي بحروب الردة و قد قادها الخليفة أبو بكر لأجل استرجاع الحق في أموال التابعين لدولته الذين ظنوا بعد وفاة النبيّ أن دفع الزكاة واجب ديني أي يحاسبهم عليه الله تعالى فإذا بهم يواجهون حربا لا تبقي و لا تذر لافتكاك تلك الأموال و ضمها لبيت المال بالقوة و اعتبرت الزكاة واجبا شرعيا دونه القتال و الحرب، فلا يكفي المسلم أن يؤمن بالله و أن يعبد ربه و يتجنّب معاصيه حتى يعتبر مسلما بل عليه أن يخضع للحاكم الخليفة القائم بالحق الإلهي.
لا نريد العودة للحكم بالحق الإلهي بعد أن حسبنا تونس قد أنجزت ربيعها الديمقراطي و فصلت الضمير الديني عن حياتها المدنية فأمسى كل مواطن فيها لا رقيب على فرائضه الدينية و معتقداته الحميمة سوى ربه إن شاء رحمه و عفا عنه و إن شاء عاقبه عقابا شديدا.
إن صناديق الزكاة تفتح باب تطبيق الشريعة في جانبها الاقتصادي و إن هذا المشروع لا يخدم مدنية الدولة و لا يخدم الفقراء و لا الطبقة الوسطى، بل سيفقرهم باسم الدين و يضيف على ظهرهم أعباء ثقل الواجب الديني إلى جانب أعباء الضرائب و الاقتطاعات السّابقة. فيما تفلت الدولة “الدينية” من واجباتها وتصبح حقوق المواطنين قشة في مهب الريح يعيشون برحمة الصدقات و الإحسان لا بالكرامة التي يأملون أن تحققها هذه الحكومات.
إن كلّ غطاء ديني للصناديق المالية ليست سوى سرقة شرعية لأموال النّاس و إنه من واجب البلديات أن تحسن تدبير مواردها و محاربة الفساد داخلها و الاعتناء بالمواطنين و المواطنات دون أن تبتز مشاعرهم الدينية و إذا كان لا بد من تضامن و تكافل فليكن على أساس التمدن و المواطنة و التعاون نابعا من إرادة حرة صادقة من ذوات الأفراد لا مجبورا عليه بقوة السلطة الإلهية فهي ضرب من ضروب الابتزاز الحلال لا أكثر، مثلها في ذلك مثل جهاد النكاح أو زواج المتعة.
*جامعية