-
هل في الأمر ما يدعو للخشية؟
-
ارتياح ايراني لارتقاء قيس سعيد الذي تعتبره صديقا لها!!!
وصل السفير الإيراني الجديد محمد رضا رؤوف شيباني إلى تونس منذ أيام قليلة لاستلام مهامه في انتظار تقديم أوراق اعتماده لرئيس الجمهورية قيس سعيد كما جرى العرف والعادة. ورئيس بعثة طهران من كبار الدبلوماسيين في بلاده إذ أنه كان مساعدا لوزير شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإيرانية كما أنه عمل سفيرا لبلاده في أهم الدول العربية وهي سوريا ولبنان إبان حرب ال 33 يوما بين حزب الله اللبناني و إسرائيل وكذلك في مصر حيث كان رئيسا لمكتب حماية المصالح الإيرانية باعتبار أنه لا توجد علاقات دبلوماسية طبيعية بين البلدين.
و يأتي تعيين السفير الإيراني الجديد بعد مرور 6 أشهر على نهاية مهام السفير الايراني السابق لدى تونس “حجة الاسلام مصطفى بروجردي” وهو شخصية ذات بعد ديني يتم تعيينه في مراكز حساسة حيث أنه كان مندوبا دائما لبلاده لدى منظمة التعاون الإسلامي في جدة قبل قدومه إلى تونس.
و مما جاء في وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية إرنا أن الرئيس الإيراني حسن روحاني استقبل السفير شيباني قبل مغادرته إلى تونس وأوصاه ب «ضرورة توسيع نطاق العلاقات أكثر فأكثر بين البلدين ولا سيما في المجالات الاقتصادية وتعزيز حضور القطاع الخاص الايراني في الاسواق التونسية”.
و من اللافت أن يكون السفير الإيراني الجديد في تونس بمثل هذه المواصفات في الفترة القادمة مما يؤكد اهتماما خاصا بتونس و قد بدأت بوادر هذا الاهتمام منذ “الثورة” وتطورت بعدئذ كما يدل على ذلك زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى تونس في أوت 2015 وكان ذلك في إطار جولة إقليمية قادته إلى الجزائر كذلك لتفسير الاتفاق النووي الذي وقعته إيران قبل شهر من ذلك التاريخ مع الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية في عهدة الرئيس السابق براك أوباما بما عرف باتفاق 5زائد واحد و نعني بذلك الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا و قد اعتبر هذا الاتفاق انتصارا لإيران باعتباره يمنحها إمكانية تطوير الطاقة النووية لأهداف سليمة. و قد اختار الوزير الإيراني تونس و الجزائر دون غيرهما لزيارتهما في تلك الظروف و إن كانت العلاقات الإيرانية الجزائرية تقليديا قوية حيث لعبت الجزائر دور الوسيط في النزاع الإيراني العراقي فإن الاهتمام بتونس يعد تطورا مهما يقيم الدليل على توجه جديد تأمل منه الدبلوماسية الإيرانية فك العزلة التي فرضتها دول عربية كبرى و في مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وبدرجة أقل مصر على الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية و التي كانت من تجلياتها في المنطقة المغاربية إقدام المغرب على قطع علاقاتها مع طهران بالنظر إلى موقف هذه الأخيرة من قضية الصحراء الغربية حيث تتهم الرباط النظام الإيراني بتقديم المساعدة العسكرية لجبهة البوليساريو.
الزيارة التالية التي قام بها وزير الخارجية الإيراني إلى تونس في جوان 2017 أبرزت أكثر من سابقاتها حرص طهران على ربط علاقات وطيدة مع تونس فقد أكد خلالها المسؤول الإيراني ” أن لا حدود للتعاون بين البلدين في كل الميادين” مقترحا إقامة آلية “دائمة” للحوار السياسي بين البلدين وقد تم خلالها اقتراح اقتبال تونس لعدة آلاف من السياح الإيرانيين علما وأن أكثر من 20 مليون إيراني يذهبون للسياحة سنويا و أغلبهم يتحول إلى تركيا المجاورة و الإيرانيون يهتمون بزيارة المعالم الدينية و هم يرغبون بصفة خاصة في زيارة مدينة المهدية باعتبارها مهدا للدولة الفاطمية. كما أن إيران عبرت على رغبتها في اقتناء زيت الزيتون التونسية فضلا على أنها كانت من الزبائن التقليديين للفوسفات التونسية. إلا أن هذه الرغبة بقيت حبرا على ورق بسبب المستجدات الإقليمية ولا سيما التنافس الإيراني السعودي في المنطقة الذي حال دون قيام علاقات قوية مثلما هي رغبة الطرف الإيراني. حتى التظاهرات الثقافية القليلة المبرمجة لم يكتب لها الإنجاز أو هي تمت في صمت إعلامي مطبق. ولعل هذا ما يبرر توصية الرئيس الإيراني لسفيره الجديد بتونس لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين لاسيما التجارية منها بين القطاع الخاص فيهما.
الجانب الإيراني يعتبر دون شك وصول الرئيس قيس سعيد إلى سدة الرئاسة أمرا إيجابيا لا سيما في ضوء تعيينه لإدارة الديوان الرئاسي سفير تونس بطهران طارق بالطيب مع البقاء في منصبه ويبدو بالطيب من المرشحين الجديين لتولي حقيبة الشؤون الخارجية حسب التسريبات المتداولة وإن اختيار الرئيس التونسي الجديد الشخصية العربية لسنة 2019 بعد أسابيع من انتخابه من طرف قناة “الميادين” القريبة من حزب الله اللبناني و من حليفه الإيراني مؤشرا على ارتياح طهران لارتقاء من تعتبره صديقا لها لرئاسة الجمهورية التونسية.
توصية الرئيس الايراني…
وصول السفير الإيراني الجديد يحدث كذلك في ظروف إقليمية ودولية خاصة. أما في الإقليم فلا بد من الإشارة إلى القمة الإسلامية المصغرة التي انتظمت من 18 إلى 21 ديسمبرالجاري في كبرى المدن الماليزية كوالالمبور والتي حضرها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد والرئيسان التركي طيب رجب أردوغان والإيراني حسن روحاني و أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني وقد تمت هذه القمة خارج إطار منظمة التعاون الإسلامي التي يوجد مقرها بمدينة جدة السعودية ويتولى أمانتها العامة مواطن سعودي. وكان من المفروض أن يحضر القمة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الذي كان من الداعين لها لكن يبدو أن القيادة السعودية أثنته على ذلك خشية من أن تؤدي هذه القمة إلى تهميش دور منظمة المؤتمر الإسلامي و قد انتهز الرئيس التركي هذه المنصة لتوجيه انتقادات لاذعة لهذه المنظمة لأنها غير قادرة حسب قوله على تنفيذ القرارات التي تتخذنها داعيا الدول الإسلامية إلى الانضمام إلى اتحاد إسلامي جديد يرغب في أن يكون زعيمه. وتمثل دون شك قمة كوالالمبور محاولة جديدة لتقسيم العالم الإسلامي وإن مشاركة إيران و قطر في أشغالها يزيد في توسيع الهوة بين دول المنطقة وخاصة بين المجموعة التي تتزعمها المملكة العربية السعودية وتضم بالأساس مصر والإمارات ومعها أغلب الدول العربية والمجموعة القريبة من طهران والدوحة وأنقرة. الأكيد أن هذا التقسيم يلقي بظلاله على علاقات تونس العربية والإسلامية حيث أنه يدفعها إلى اختيار حلفائها فاقترابها من قطر وتركيا وهما الحليفان الطبيعيان لحركة النهضة الفائزة بالمركز الأول في الانتخابات البرلمانية يبعدها عن السعودية والإمارات والدول القريبة منهما، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل أن ذلك يعني بطبيعة الحال تقاربا مع إيران؟ لعل طهران تعول على ذلك في مسعاها لمزيد توطيد علاقاتها مع تونس.
على الصعيد الدولي لا بد من الإشارة إلى تراجع الولايات المتحدة بقرار من الرئيس دونالد ترامب عن الاتفاق النووي وهو ما أعاد للواجهة العقوبات تجاه إيران ورغم الخلافات بين واشنطن وبقية الدول في هذا الشأن فإن الوضع يدعو للقلق الشديد على الأمن والسلم في المنطقة كما أن إمكانيات الانفجار أضحت أقوى من أي وقت مضى بسبب الموقف الإسرائيلي المعادي بشدة لاتفاق 2015عام فضلا على أن طهران أصبحت لاعبا أساسيا في منطقة الشرق الأوسط نتيجة وقوفها وحليفها حزب الله اللبناني إلى جانب النظام السوري كما أصبحت طهران مع موسكو وأنقرة من الفاعلين المهمين في الإقليم
إن تونس تترأس القمة العربية منذ القمة الثلاثين المنعقدة في تونس في مارس الماضي ولكن منذ صعود قيس سعيد للرئاسة لم نر منه أي نشاط في هذا المجال كما أن اهتماماته في الملف الليبي حيث التقى رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج متجاهلا منافسه قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر تؤشر إلى أنه اختاربصفة واعية أو غير واعية المجموعة المناوئة لمصر والإمارات و بصفة غير مباشرة السعودية. هل يعني ذلك تقاربا مع قطر من جهة و مع إيران من جهة ثانية؟ ليس الأمر بهذه السهولة ولكن يمكن أن يفهم على هذه الشاكلة.
على أية حال إن تعيين سفير إيراني جديد بمثل المواصفات التي ذكرنا يدل على أن طهران تستبق الأحداث فهل في الأمر ما يدعو إلى الريبة و الخشية؟ قطعا لا إذا توفقت بلادنا في وضع مصالحها فوق كل اعتبار.
رؤوف بن رجب