تونس – “الوسط نيوز” – كتب : رؤوف بن رجب
هل نحن بصدد اقتراف خطئ قاتل في علاقة بالأزمة التي تعصف بالقطر الليبي الشقيق الذي أمنه من أمننا و الذي تؤثر الأوضاع فيه بصفة مباشرة على مجريات الأحداث في بلادنا ؟ السؤال جدير بأن نطرحه في ضوء تذبذب الموقف الرسمي التونسي و ما اعتراه من أخذ ورد بل و من تردد جعلنا نفقد إمكانية المبادرة و القدرة على الفعل في حين اننا البلد الوحيد الذي يعاني من ويلات تفاقم الأزمة و الذي سيجد نفسه في مقدمة من يدفع ثمن الحرب حيث سيكون ملجأ للنازحين و المهجرين كما كان ذلك في عام 2011 حين استقبلت تونس ما يزيد عن مليون ليبي فضلا عن الآلاف من المهاجرين الأجانب الذين كانوا يقيمون في البلد الشقيق و الجار.
و لعل استبعاد تونس من كل الجهود يستشف من التصريحات شبه الرسمية في فرنسا إثر اللقاء الذي أجراه الرئيس ماكرون مع المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي حيث قيل إن باريس ستكثف من اتصالاتها الدبلوماسية مع البلدان المعنية ذاكرة بالاسم إيطاليا و الولايات المتحدة و مصر دون أن تذكر تونس مما يدل أن بلادنا مستثناة في حين أنها المعنية الأولى كما تم استثناء الجزائر بادعاء أنها منهمكة في أوضاعها الداخلية المتشعبة بعد خروج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من الحكم.
يبدو أن الموقف التونسي جاء في البداية متسرعا و كأنه رد فعل غاضب على إطلاق المشير حفتر هجومه على الغرب الليبي بعيد القمة العربية التي احتضنتها بلادنا و إن ظهر متماهيا مع موقف الأمم المتحدة فلم يأخذ في الاعتبار المساندة الدولية والإقليمية التي تحصل عليها قائد الجيش الليبي قبل أن يطلق حملته وهو ما بدا واضحا بعدئذ في مواقف بلدان أساسية مثل الولايات المتحدة و فرنسا و بدرجة أقل إيطاليا دون أن ننسى مصر والإمارات و السعودية فضلا عن الموقف الروسي الذي وقف منذ مدة طويلة في صف القائد العسكري الليبي.
إن تونس أطلقت مبادرة مع مصر و الجزائر للعمل على إيجاد حل للمعضلة الليبية و لكن يبدو أنه لم توضع الآليات لهذه المبادرة بحيث أنها انهارت في أول مناسبة بعد وقوف مصر الواضح إلى جانب خليفة حفتر الذي استقبله الرئيس المصري في القاهرة في مناسبتين منذ إطلاق عملياته الهجومية على الغرب الليبي.
إن التغيير النوعي للموقف التونسي بإعلان وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي أن تونس ليس لها أجندة في الملف الليبي و أنها تقف على نفس المسافة من كل الفرقاء الليبيين جاء متأخرا، و كما يقول المثل أن يأتي متأخرا فأفضل من ألا يأتي أبدا و لكن ذلك لا يكفي فالمهم ألا نواصل على نفس النسق في التعامل بصفة متميزة مع حكومة الوفاق التي جاء رئيسها فائز السراج إلى تونس حيث استقبله رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي و فسح له المجال لتقديم وجهة نظره المهم الآن أن نوجه نفس الاهتمام إلى قيادة خليفة حفتر فنوجه له الدعوة لزيارة تونس أو نرسل له مبعوثا خاصا من مستوى مرموق أقترح أن يكون وزير الدفاع الوطني إلى مقر قيادته في بنغازي للاستماع إلى وجهة نظره و إبلاغه الموقف التونسي و خاصة التأكيد على أننا لسنا منحازين لحكومة السراج كما تبادر للأذهان بصفة متسرعة.
الواضح أن المشير خليفة حفتر أضحى رقما صعبا في المعادلة الليبية و لن يتم تحقيق أي تقدم نحو إيجاد حل للأزمة دون مشاركته الفعلية والجميع يقر بذلك بما فيها خصومه خاصة و أنه من الواضح أيضا أن فائز السراج و حكومته لم يقدرا على بسط شرعيتهما على كامل التراب الليبي و لم تكن لهما لا القدرة و لا الكفاءة على تجميع كل إمكانيات الشعب الليبي تحت سلطة واحدة و موحدة.
في المقابل تمكن خليفة حفتر من أن يجمع جيشا شبه نظامي و أن يوفر له السلاح و المؤونة و الدعم اللوجيستي. و لا شك أن باجتماع الفريقين كان يمكن التوصل إلى تجميع قدرات الشعب الليبي و حيث أن ذلك لم يحصل فأصابع الاتهام لا يمكن إلا أن توجه للقيادة السياسية التي كانت عاجزة على التفاعل مع الواقع.
أظن أن مرحلة اتفاق السخيرات الذي جاءت بمقتضاه حكومة السراج انتهى و أنه من الضروري الجلوس لبناء اتفاق جديد يتولى إعداده و السهر عليه مبعوث أممي جديد بعد أن فقد المبعوث الحالي اللبناني غسان سلامه مصداقيته بالوقوف بوضوح إلى جانب أحد طرفي النزاع. بعد الاسباني بيرناردينو ليون و الألماني مارتن كوبلار ثم اللبناني الفرنسي غسان سلامة يبدو ان الوقت موات لاقتراح موفد تونسي في هذا النزاع. تم في الماضي الحديث عن إمكانية تولي كمال مرجان هذه المسؤولية و لكن باعتبار المسؤوليات السياسية له على الساحة الوطنية لا أرى أفضل من التونسي صلاح الدين الجمالي لتولي مثل هكذا مهمة و هو حاليا المبعوث الخاص للأمين العام للجامعة العربية في هذا الملف. صلاح الدين الجمالي من أفضل الدبلوماسيين التونسيين معرفة بخفايا الأمور على الساحتين الليبية و العربية حيث كان آخر سفير لتونس في عهد معمر القذافي كما تولى قبل ذلك سفارة تونس بالقاهرة ومهام المندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية فضلا على أنه كان كاتب دولة للشؤون المغاربية و العربية في وزارة الشؤون الخارجية.
إنني على يقين أنه من القلة من الدبلوماسيين القادرين على إحداث التغيير النوعي في الأزمة الليبية التي تمادت بشكل يهدد الامن والاستقرار لا في المنطقة بل في العالم ككل. إن مسؤولية الأمم المتحدة في ليبيا مسؤولية أساسية فاستقلال ليبيا و وحدتها في بداية خمسينات القرن الماضي تمت بقرار اممي كما أن الحرب التي شنت عليها في عام 2011 وقعت بقرار أممي و إذا ما تكاتفت جهود الأمم المتحدة مع جهود تونسية خيرة في هذا الملف يمكن إيجاد مخرج لهذه المعضلة التي لا يكون الحل فيها إلا ليبيا على أسس سياسية بعيدة عن منطق الهيمنة و في منأى من أي تدخل خارجي.