اكد الباحث اللبناني الاستاذ “فيصل جلول” ان الذئابُ الأجنبية تراهن على اتساع الأزمة الجزائرية و تَعذُّر حلولها السلمية و انه بقدر ما تستنقع الأزمات يسهل التدخل الأجنبي و من باب احرى ان يتفق الجزائريون على حل مشكلة ما بعد بوتفليقه تفاديا لما هو أسوأ و لردع الذئاب المتحفزة خلف الحدود للانقضاض على ارضهم.
و اعتبر ان الدعوات الاخيرة الصادرة عن اكبر عرابي الربيع العربي “ليفي” و التي طلب عبرها من المتظاهرين الجزائريين مواصلة التظاهر لقطع الطريق على مناورات السلط خير دليل على ذلك هذا فضلا عن تصريحاته السابقة بان “الجزائر ليست عربية و لا مسلمة, إنها يهوديةٌ و فرنسيةُ الثقافة”.
و اضاف الاستاذ جلول ان عراب الربيع العربي “ليفي” المولود في مدينة «بني صاف» الجزائرية قد تمنَّى في العام نفسه أن تستقرّ حركة الربيع العربي في الجزائر و فشلت توقّعاته فطالب في عام 2017 بتقسيمها و إنشاء دولة بربرية في بِجَّاية و تيزي أوزو.
بين هذا المطلب و ذاك، زار الجزائر بدعوة رسمية من السلطات المحلية و نشر بعد الزيارة مقالات اعْتُبِرتْ في حينها مؤيّدة لمضيفيه. في آخر الدعوات التي صدرت عنه طلب ليفي من المتظاهرين الجزائريين مواصلة التظاهر لقطع الطريق على مناورات السلطة بعد التزام الرئيس بوتفليقة بعدم الترشّح لعهدة خامسة.
و في ذات السياق أضاف الكاتب ان تصريحات مُلهِم «الربيع العربي» لا تسقط على بيئة جزائرية حاضنة، بل يمكن القول إنها تُلحِقُ ضرراً بالغاً بالمُنتفضين في الشارع، لذا نراهم يستنكرونها بشدّة و يعتبرونها مفيدة للحُكم في حين يتسابق ممثلو السلطة على توجيه اللعنة تلو اللعنة لهذا المثقّف الباحِث عن دور “لورانس العرب” في الحركات الدموية التي طالت ليبيا و سوريا و اليمن و مصر و لم تنج منها سوى تونس حتى الآن على الأقل.
و لعلّ من حُسن حظ الجزائريين أن فرنسا مُنشغلة هذه الأيام بأزمة «السترات الصفر» و بالتالي ليست في موقع مَن يُلقي دروساً في طريقة التعامل مع المتظاهرين في حين تنشغل أوروبا في «البريكسيت» البريطانية و تعاني من سياسة ترامب الإرتجالية خاصة مع دورها القبيح في العشرية السوداء عندما ضغطت على السلطات الجزائرية حينها لاجراء انتخابات ثم ضغطت عليها لالغاء الانتخابات و ما انجر عن ذلك من صدامات و نفس الامر حسب ذكره بالنسبة لواشنطن المضطربة بسبب مواقف رئيسها فهي أيضاً ليست في موقع يُتيح لها إلقاء مواعظ في حُسن السلوك السياسي على الجزائريين.
و من حُسن الحظ أيضاً أن دولاً كبرى تعرف عن كثب مدى تَبَرّم الجزائريين من التدخّل في شؤونهم فتلتزم الحذَر و تختار أفضل العبارات للتعليق على الإحتجاجات الجزائرية و تختم بالقول «هذا شأنٌ داخلي» يعني أصحابه فقط كما لاحظنا في التصريحات الصينية و الروسية.
و تابع بانه مقارنة ب «حركة 14 آذار» اللبنانية المستندة إلى التدخّل الخارجي تمويلاً و ضغطاً و تنسيقاً تستمد حركة الإحتجاج الجزائرية زخمها من ثقافة سياسية محلية تكوّنت تدريجياً في سياق الصراع الوجودي مع الإستعمار الإستيطاني فالمستعمر كان يريد إلغاء هوية البلاد التي ما زال البعض يعتبرها فرنسية كما تبيّن من كلام برنار هنري ليفي أعلاه.
لقد انتصر الجزائريون على الكولونيالية بعد أن دفعوا ثمناً باهظاً تمثّل في استشهاد مليون ونصف المليون من أبنائهم و بالتالي صار كل تدخّل خارجي في شؤونهم و كأنه من أثر حروب إلغائهم.
و افاد في ذات السياق ان هذه الثقافة السياسية الحَذِرة من الأجنبي تلعب دوراً أساسياً في ردع التدخّل الخارجي في شؤون الجزائر و عدم تدخل الجزائر في شؤون الآخرين لكن هل يمكن الإطمئنان إلى أن الثقافة السياسية الجزائرية ضامِنة مطلقة لكل تدخّل أجنبي ؟
يصعب الحديث عن ردع مُطلق استنادا الى اقواله في أزمة مفتوحة و في ظلّ انقسام حول الحلول المطروحة للخروج منها و في ظل التداخُل الموضوعي بين شؤون الدول الداخلية و الخارجية ناهيك و ان هبوط وارتفاع أسعار النفط هو من أثر تدخّل خارجي يتسبّب في أزمة محلية في الجزائر و يمكن الحديث عن أمثلة أخرى كثيرة.
هذا الأمر يصحّ على السلطة و المعارضة في آن واحد، لذا نلاحظ أن الرئيس بوتفليقة قد اختار السياسي المُخضرَم الأخضر الإبراهيمي، لإدارة الندوة الوطنية بسبب علاقاته الدولية القوية و المتعدّدة و للإشارة إلى أنه الضامِن للتغيير المتناسب مع علاقات الجزائر الخارجية.
من جهة ثانية سيكون من الصعب ردع التدخّل في الشؤون الداخلية الجزائرية إذا ما طالت الأزمة و بيّنت أن المساومة بين الجزائريين متعذّرة.
في هذه الحال و فيها وحدها يمكن أن يتحقّق غرض ليفي من استقرار الربيع العربي في هذا البلد من أجل الإطاحة به و قد يكون من الضروري حسب ما نوه به الاستئناس و الاستفادة من تجربة اللبنانيين الذين أمضوا 3 سنوات لاختيار رئيس لبلادهم بسبب التدخل الأجنبي و من العراقيين الذين لم يفلحوا بعد شهور طويلة من الجدل في إختيار وزير للدفاع بسبب التدخلات الأميركية و من اليمنيين الذين لم يدخل الإستعمار الأجنبي إلى شمال بلادهم و هم اليوم يتضوّرون جوعاً و يرضخون للتدخل الأجنبي من أجل البقاء على قيد الحياة وذلك على الرغم من مقاومتهم المشرّفة لعاصفة الحزم.
و ربما على الجزائريين أن يتّعظوا أيضاً بتجربة جيرانهم الليبيين الذين يحصدون يومياً نتائج التدخل الأجنبي في بلادهم فيتعذّر عليهم تشكيل حكومة موحّدة على أراضيها.
هاجر و اسماء