- لا بد من فرض عدالة اجتماعية و مقاومة الفساد
- هذه هي شروط مقاومة التطرف و الارهاب
نظم المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل ندوة هامة حول “مستقبل الأمن و التعايش في الشرق الأوسط و إفريقيا بعد تقلّص داعش” شارك فيها عدد هام من الخبراء.
و قد تميزت المداخلة التي القاها الاميرال كمال العكروت المستشار الأول لرئيس الدولة و الكاتب العام لمجلس الأمن القومي.
و تنفرد “الوسط نيوز” بنشر مداخلته كاملة :
لقد شهد الشرق الأوسط و شمال إفريقيا و منطقة الساحل و الصحراء خلال السنوات الأخيرة تطورات جيوستراتيجية خطيرة، أثّرت سلبا لا على أمن و استقرار المنطقة فحسب بل على العالم برُمّته حيث أضحت جميع الدول غير آمنة و مؤمنة جراء ظهور جماعات متطرفة تدّعي بكونها إسلامية.
لعل التنظيم الأبرز هو تنظيم “داعش” الإرهابي الذي شهد تمددا سريعا بمناطق جغرافية شمل كلا من العراق و سوريا و شبه جزيرة سيناء و ليبيا، وا متد شرقا إلى قلب القارة الآسيوية بالإعلان عن تمركزه بباكستان و تبنّى تفجيرات إرهابية راح ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين و المصابين أغلبهم مسلمون.
و بهذا التمدد السريع تحوّل تنظيم “داعش” في وقت ما من مجرد تهديد محتمل لأمن المنطقة إلى خطر حقيقي ملموس، فأصبح مهددا لهوية الدولة الوطنية بتبنّيه لإيديولوجيا تبّرر العنف و قتل الأبرياء و بثّ الفتنة المذهبية الطائفية و تفكيك الوحدة الوطنية فضلا عن اعتماده في تنفيذ مخططاته و عملياته على “آليات عابرة للحدود” تزيد من صعوبة تعقب عناصره و توقيفها قبل ارتكابها لكوارث.
و كذلك تسخير تكنولوجيات الاتصال الحديثة لاستقطاب و تعبئة الفئات المجتمعية الهشّة خاصة منها الشباب للتجنيد في صفوفه، و هي كلها مخاطر وتهديدات مثّلت تحدّيا ِلدُوَلٍ هُددت في وُجودها أدّت إلى تكاتُفِ الجهود الإقليمية و الدولية في شكل تحالفات ساهمت في ضرب هذا التنظيم الإرهابي في الصميم فأضعفته و أربكته و لكن ليس لحدّ ضمان انقراضه.
كما هو معلوم مُنِيَ تنظيم “داعش” بالهزيمة العسكرية في العراق و سوريا و في بعض المدن الليبية و في تونس ببن قردان و لكن لم ينتهي، نعم انتهت شبه الدولة هذه و سيكون من الصعب عليها العودة بالشكل التي كانت عليه على الأقل في الوقت الراهن و لكن و رغم الهزائم العسكرية إلا أن هذا التنظيم الإرهابي لم و لن يندثر تماما طالما مكونات و عناصر التربة الخصبة التي ترعرع فيها لا زالت موجودة.
و مادامت أسباب نشأته و العوامل المُغذّية لوجوده لازالت قائمة و المتمثلة أساسا في :
- وجود قضايا إقليمية كالقضية الفلسطينية و عدم وجود حل عادل في الأفق و إنحياز بعض الدول العظمى لطرف ضد آخر.
- أنظمة سياسية ضعيفة تكون غير قادرة على تحقيق لحمة وطنيّة فضلا عن إفتقادها للمعرفة في مجال التصدي للجماعات الإرهابية.
- أنظمة فاقدة للشرعية مما يجعل مستوى ولاء أجهزة الأمن و الجيش و المؤسسات المدنيّة تأثير في النصر على هذه التهديدات.
- وجود حالة أزمات و صراعات داخلية مع سلطة غير عادلة أو متهمة بالفساد هذه الأزمات سواء كانت عرضية أو مُخْتَلَقَة أو كانت بفعل عوامل داخلية أو خارجية
- هشاشة اقتصادية و اجتماعية كالفقر و البطالة و الجهل و التخلّف.
- “الصحوة الدينية” المغشوشة المُدغدغة للعواطف و ليس للعُقُولِ التي سبق و أنتجت تفككا اجتماعيا و عزّزت الميل نحو التواكل و أضعفت قيمة العلم و العمل لدى شعوب تتميّز بتفشي الأمية فيها فضلا عن تغييب دور المرأة في المجتمع باسم الدين ممّا عزّز التخلف المعرفي و العملي لدى شعوب المنطقة بحجب نصف المجتمع و عزله عن الحياة العامة.
- شعوب ساخطة على الدولة و القائمين عليها و فاقدة الثقة في الطبقة الحاكمة.
- غياب الأفق خاصة لدى الشباب جراء الهشاشة الاقتصادية و الاجتماعية و المعرفية،
- التدخلات الأجنبية في خدمة أجندات معينة،
- عدم سيطرة الحكومات على العالم الإفتراضي، الفضاء الذي تستغله هذه الجماعات لحقن سمومها بكل حرية و من غير متابعة او دحر
من جهة أخرى فان المقاتلين التابعين لـ “داعش” المعبر عنهم بالمقاتلين الأجانب سيعود جزء منهم إلى بلدانهم الأصلية و ربما سيتم إلتحاق الجزء الآخر إلى بؤر التوتر الجديدة أو لجوئهم إلى العمل السري حيث سيظل مستوى الخطر الإرهابي قائما في بلدان المنطقة هو نفسه كما كان عليه في السابق و لا تُسْتَثْنَى من ذلك بقية الدول فهي معنية بهذا الخطر باستثناء واحد و هو أنه سيكون من الأصعب على العائدين تنفيذ هجمات إستعراضية فائقة التنظيم و ذلك بسبب فقدانهم لإمكانياتهم التنظيمية التي كانوا يتمتعون بها مقابل إمكانيات و جاهزية أفضل للدول المكافحة لهذا التنظيم مما كانت عليه، هذا لا يَعْنِي عدم تزايد عدد العمليات الإرهابية التي تقوم بها العناصر الإرهابية التي ما يُعبّر عنها “الذئاب المنفردة”.
إنه من المتوقع بأن “داعش” و تنظيمات إرهابية أخرى ستلجأ إلى مناطق تجنيد توفر تربة خصبة لنموّها و هنا وجب على الدول اتخاذ التدابير الوقائية و الدفاعية المناسبة، و المبادرة بتبني استراتيجيات و مقاربات وطنية و إقليمية و دولية ذات أبعاد أمنية و سياسية و اقتصادية و مجتمعية و ثقافية لمواجهة مخلفات تنظيم “داعش” الإرهابي و كل تيار متطرف عنيف، مقاربات أساسها اليقظة الأمنية المستمرة، و تحصين الفضاء الداخلي أمنيا و اقتصاديا و اجتماعيا بتعزيز الوحدة الوطنية عبر زيادة تماسك النسيج المجتمعي و ذلك :
- بإعطاء العمل الوقائي الأهمية الكبرى لأن كل شاب تطرف و إنضم إلى هذه الجماعات هو فشل للعائلة و المدرسة و المجتمع و للدولة.
- بالعمل على إيجاد الحلول السياسية للنزاعات الداخلية أو التي تشهدها المنطقة و تغليب منطق الحوار و التوافق لنزع فتيل الفتنة والنزاع المسلّح والتدخل الأجنبي و أن الحلول تأتي بالإقناع و ليس بقتل الأبرياء،
- بتوخي أقصى درجات الحيطة و الحذر و التزام اليقظة الأمنية التامة و المستمرة و زيادة التنسيق الأمني و الاستخباراتي بين دول الجوار فيما بينها من جهة و بينها و بين دول المنطقة من جهة أخرى و ذلك فيما يتعلق بالمطلوبين أمنيا و المشتبه في انتمائهم للتنظيمات المتطرفة خاصة المقاتلين العائدين من بؤر التوتر،
- بتعزيز الوحدة الوطنية و اتخاذ إجراءات قانونية رادعة و حازمة ضد أية محاولات داخلية أو خارجية لبث فكر التطرف العنيف و سلوكياته و التحريض المذهبي المشبوه،
- بتوفير الاستقرار السياسي و المجتمعي و الاقتصادي و إرساء عدالة إجتماعية و أدنى نسبة ممكنة من الفساد،
- بتبني خطاب ديني و إعلامي بديل يُحذر من خطر التشدد و التطرف العنيف و الحثّ على التمسك بوسطية الدين و اعتداله و سماحته خاصة لدى الشباب و توجيه طاقاتهم إلى أعمال مفيدة لهم و لمجتمعهم،
- بتعزيز الشرعية التي تعتبر الهدف الأساسي للحرب على الإرهاب و ذلك بتطوير حَوكمة رشيدة و فعّالة من قبل حكومة شرعية في نظر المواطنين، بحيث تكون أغلبيتهم مطيعة للسلطة تلقائيا و ليس بالإكراه،
- بتوحيد الجهود بين الأطراف المتعددة و المتداخلة في مقاومة الإرهاب (بما في ذلك المنظمات الوطنية و الدولية و المنظمات الحكومية و غير الحكوميّة)، بالتنسيق على مستوى الخطاب و الأهداف و الإستعلامات و تبادل المعلومات و التدخلات بين ذات الأطراف،
- بالعمل على دعم مؤسسات الإستعلامات و الإستخبارات لأن المعلومات هي محرّك العمليّات بدون معلومات كافية و مناسبة، تفقد القوات التقليدية الكثير من الوقت و الموارد في عمليات عديمة الجدوى و قد تكون لها نتائج عكسيّة إذ قد تسبب خسائر جانبية و خسائر في الأفراد و العتاد،
- بعزل الإرهابيين عن قضيتهم و مصادر دعمهم لأن حرمانهم من مصادر الدعم أقل خطورة من مطاردة و عزل كل واحد على حدة مع ما قد ينجرّ عن ذلك من عمليات انتقامية من قبل أقاربهم و أصدقائهم، فضلا عن قدرة هذه الجماعات على تعويض الخسائر البشرية بسرعة.
ولذلك يكون من الأجدى فصلهم عن مصادر دعمهم بإجراءات سياسية (تلبية المطالب الواسعة للشعب تجفيف منابع الدعم و التموين) ردعيّة (مراقبة السكان أو الحدود و الصرامة في تطبيق القانون) و تشريعية (سن قوانين استثنائية تحمي القوات المتدخلة و تضمن علوية القانون)، - بتعزيز دولة القانون لأن الأمن في ظل سيادة القانون هو أمر أساسي إنّ توفير الأمن للسكان يُساعد على إخماد الفوضى و القيام بإصلاحات دائمة لهزم هذه الجماعات. هذا و من المهم أن يُنظر إلى الإرهابيين كمارقين من قِبل جزء كبير من المواطنين. كما يجب على قوات الأمن أن تتجنب التورط في أعمال غير شرعية (كاستخدام غير مبرر أو مفرط للقوة / انتهاكات لحقوق الإنسان… ) بما يؤدي إلى نتائج عكسية و يضعف الثقة في الحكومة،
- بالاستعداد إلى أن الحرب على الإرهاب هي حرب طويلة الأمد فعلى قوات مكافحة هذه الجماعات الاستعداد لالتزام طويل الأمد لأنّ هذه الحركات تتميّز بقدرتها على البقاء لفترات طويلة بما يجعل محاربتها مستهلكة للكثير من الوقت و الجهد. كما أن المواطنين و هم مركز الثقل الرئيسي في المواجهة لا ينحازون عادة للحكومة إلا إذا كانوا مقتنعين بقدرتها على تحقيق النصر و مقتنعين بأن الخسائر التي تتكبدها القوات النظامية لا تؤثر في عزمها على محاربة الإرهابيين. كما أنها قادرة على حمايتهم من الإرهابيين،
- بالتعلم و بالتكيف : إنّ هذه الجماعات لها قدرة دائمة على تغيير خطط عملها، بما يضطرّ القوات النظامية إلى التكيف الدائم و الملاءمة بحيثيات الصراع و بطبيعته و أسبابه،
- بخوض الحرب الإعلامية بلا هوادة : إن الصراع يدور حول الشرعية و قد نفوز به أو نخسره حسب منظور المواطنين، علما و أنّ الإعلام يلعب دورا كبيرا في تكييف هذا المنظور،
- إن النجاح في مكافحة هذه الجماعات يتطلب أكثر من العمليات العسكرية لتحقيق الفوز : إنّ الهدف هو إنشاء مناخ سياسي يُساعد على تقليص دعم السكان لهم و تقويض أيديولوجية هؤلاء. و بالتالي من الضروري تركيز الجهد على عدة مستويات (الاقتصاد و التعليم و الخدمات العامة إلخ.).
هذا و تبقى أهمّ مؤشرات النجاح في التعاون الطوعي من جانب المواطنين مع السلطة.