تونس-أونيفار-نيوز- كشفت الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط أن قسما من النخبة التونسيّة تتعامل مع الأحداث السياسيّة استنادا إلى قاعدة عدوّ عدوّي صديقي، فتجدهم يتدافعون لمساندة إيران دون رويّة أو معرفة بما يمكن أن ينتج عن هذه المساندة المجانيّة.
المعلن والرائج أن إيران قريبة منّا على مستوى العقيدة وقريبة كذلك من جهة مساندتها لحماس في فلسطين، إلا أن النظر الدَقِيق يَكْشِفُ لَنَا أَن مَا يُحَدِدُ مَوَاقِف إيرَان هو تَحْقِيق المَصَالِح القَومِيَّة للأُمَّة الفَارِسِيَّة وبيان ذلك:
على مستوى العقيدة
صحيح أن إيران دولة إسلامية نصّ على ذلك دستورها إلا أنّ هذا الانتماء أصبح بعد الثورة مشروطا بجملة من المحدّدات جاء في الفصل 12 من الدستور: “الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير” أي أنّ الدولة بهذا المعنى دولة طائفة من بين الطوائف الشيعيّة، تقوم أساسا على قاعدة وضعوها أساسا لحكمهم وهي “ولاية الفقيه” التي تعني أنّ الجامع لشرائط الاجتهاد ينوب الإمام الغائب، وهو ما أدى إلى تجميع كلّ السلط في يد الخميني بحيث لا يجوز عزله ولا محاسبته ولا مساءلته الأمر الذي أدّى إلى اعتراض عدد كبير من المراجع الشيعيّة التي اعتبرت أن الولاية للأمة وليست لفقيه بعينه وأن دور الفقهاء يتمثل في الإشراف على عمل مجلس الشورى وليس العمل السياسي المباشر، ولأنّ الخميني شعر بأنّ هذه المعارضة سوف تحدّ من سلطاته وتقيّده خصوصا وأن رموزها هم الأغزر علما والأرفع مكانة والأكثر شهرة اتجه إلى محاربتهم وعلى رأسهم كبار آيات الله فنكّل بهم وسجنهم في بيوتهم وأحرق مكتباتهم وشهّر بهم، آية الله شريعة مداري المرجع الشيعي الأشهر في ذلك الوقت الذي أنقذ الخميني من الإعدام سنة 1963 بمنحه لقب آية الله لأنّ القانون الإيراني أيامها كان يمنع إعدام آيات الله، مقابل ذلك لم يتورّع الخميني عن التنكيل بمن أحسن إليه لأنه رفض ولاية الفقيه فوضعه في الإقامة الجبرية وتعمّد إظهاره حاسر الرأس ولمّا توفي دفن ليلا قرب المجاري، آية الله حسين منتظري الذي عيّنه الخميني نائبا له بعد أن أعدم 1600 شخص عقب هروب بني صدر فعل به الأفاعيل ولم يشفع له إخلاصه المضمّخ بدماء الأبرياء من أن ينكّل به هو الآخر ويضعه في الإقامة الجبريّة، أمّا آية الله الطالقاني فقد مات مسموما وكذا الأمر مع محمد مهدي الشيرازي وآية الله صانعي ومحسن كدبور وعبد الكريم سروش وغيرهم، والمستفاد ممّا ذكر أنّنا بصدد حكم طائفة من بين طوائف المذهب الشيعي لو لم يتمكّن قادتها من الوصول إلى السلطة لبقيت ولاية الفقيه التي يستندون إليها أسيرة الكتب ولما كان لهم شأن، لذا لا يمكن وصف نظام ما يسمّى الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة إلا بأنّه نظام ثيوقراطي يقف على رأسه رجل دين هو الولي الفقيه نائب المهدي المنتظر.
على المستوى السياسي
تقدّم إيران نفسها المدافع عن القضيّة الفلسطينيّة الأمر الذي دفع أعدادا من الجماهير العربيّة إلى مناصرتها في حربها الأخيرة والحال أنّ الفرس يكرهون العرب كراهيّة تاريخيّة لم يستطيعوا إخفاءها، ففي الشاهنامة للفردوسي وهو الكتاب الذي يقدّسه الفرس ويحتفون به شتم العرب شتما مقذعا قال: “قد بلغ الأمر بالعربي من شرب لبن الإبل وأكل الضباب إلى الطموح إلى تاج الكيانيين فأفٍّ لك يا فلك السماء” وقال كذلك: “الكلب في أصفهان يشرب ماء الثلج، والعربي يأكل الجراد في الصحراء”، هذه الكراهيّة والاحتقار بقيت موجودة إلى اليوم، فخامنئي رغم إجادته اللغة العربيّة فإنه لا يستعملها عند استقبال ضيوفه العرب ويصرّ على حضور المترجم ولا يتكلم إلا باللغة الفارسيّة والطريف أنّه كلما أخطأ المترجم يقوم هو بإصلاحه، وإن ننسى فلا ننسى أنّ كراهيتهم لكلّ ما هو عربي ظهرت كذلك في عهد الشاه عندما احتل الجزر الإماراتيّة (طمب الكبرى وطمب الصغرى وأبو موسى) وبقي نظام الملالي مصرّا على احتلالها رغم رفعه شعار الوحدة الإسلاميّة، وفي لبنان أسّس حزب الله رافعا صورة الخميني وشعار على خط الإمام الذي كاد أن يدمّر الدولة العربيّة الوحيدة التي يحكمها مسيحي، أمّا في غزّة فقد شجع على شنّ حرب أهليّة بين حركة حماس وفتح الحركة الوطنيّة بعد انقلاب شهير قاده السنوار ومن معه، كما أنشأ هذا النظام تنظيمات تدين له بالولاء في سوريا وفي اليمن وفي العراق وفي غيرها بحسب الأوضاع وبعضها مسلّح وهي جميعها أذرع سياسية يستخدمها كلّما كان في حاجة إلى الدفاع عن مصالحه، أمّا البرنامج النووي لإيران الذي طبّل له الكثير من العرب فلم يكن إلا وسيلة للتفاوض مع أمريكا وإسرائيل وورقة ضغط للحصول على حصّتها من السيطرة على المشرق العربي ولا علاقة له بالقضيّة الفلسطينيّة أو بما تروّج له من عداء لأمريكا وقد جعل الله كيدها في نحرها ففسدت كلّ مخططاتها التي استهدفت محاصرة حماس لمصر والحوثيين للعربية السعودية ودول الخليج بعد وضع يدها على العراق وسوريا، والأكيد أنّ هزيمة نظام الملالي وقطع أذرعه شمالا وجنوبا سيحدّ من المدد المالي لجمعياته المنتشرة في عالمنا العربي بما يضعف حضورهم، والذي يجدر الانتباه إليه أنّ التمدّد الفارسي سياسي بالأساس وإن استعمل العقائد الشيعيّة غطاء له وعلى هذا الأساس فإن التعامل معه لا يكون إلا من منطلق سياسي وبوسائل سياسيّة.
